فضل بن سعد البوعينين
ركزت وسائل الإعلام الغربية منذ إعلان المملكة إقامة شعيرة الحج بأعداد محدودة من حجاج الداخل على التداعيات المتوقعة على الاقتصاد الكلي، وتوسعت في تقاريرها الموجهة، والاستشهاد بتعليقات خبراء الاقتصاد الذين صوروا المملكة وكأنها تعتمد في ماليتها العامة على إيرادات الحج، متجاهلين أن ما تنفقه على تطوير وتوسعة الحرمين الشريفين، وإدارة مواسم الحج يفوق بأضعاف مضاعفة العوائد المالية المحدودة، فشؤون الحج المالية تُدرج في باب النفقات الحكومية لا الإيرادات كما يعتقد البعض.
وكالة فرانس برس نقلت عن أحد محلليها قوله «إن قرار الحد من أعداد الحجاج يضاعف الصعوبات الاقتصادية التي تواجه السعودية». قد تكون تلك الرؤية مبررة لمن يجهل اقتصاديات الحج، وفلسفة الحكومة في التعامل معها، وحجم الالتزامات المالية والنفقات الضخمة التي تتحملها خلال مواسم الحج. لا خلاف على أهمية الحج ومواسم العمرة للقطاع الخاص وحركة الاقتصاد في المدينتين المقدستين، إلا أن فلسفة الحكومة في تعاملها مع مواسم الحج والعمرة والاستثمار في مشروعات الحرمين الشريفين تختلف في مضامينها عن فلسفة الاستثمار القائمة على الربح والخسارة؛ فمن حيث العائد على الاستثمار نجد أن مشروعات الحرمين تركز على المنفعة التي يحصل عليها الحجاج والمعتمرين، لا العوائد المالية المتوقع دخولها خزينة الدولة؛ التي يستعاض عنها بالبركة والمثوبة من الله -عزّ وجلّ-.
فمشروعات الحرمين موجهة لخدمة الإسلام والمسلمين، وكل ريال ينفق في بيت الله الحرام، والمناطق المحيطة، مضمون العائد في الدنيا والآخرة، بل إن عوائده تفوق في أدناها مجمل عوائد الكون الدنيوية؛ وهو أمر يجهله غير المسلمين، إلا أن تجاهله من بعض المسلمين، حكومات وعلماء، ممن استغلوا شعيرة الحج، وحرص المملكة على سلامة الحجاج من الوباء، لأهداف سياسية صرفة؛ أمر مؤلم ولا يمكن تفسيره إلا بالمتاجرة بالدين لأهداف دنيوية زائلة.
لم تنظر المملكة يوماً للعوائد المالية المتأتية من مواسم الحج والعمرة، لذا سارعت منذ ظهور جائحة كورونا إلى تعليق العمرة والزيارة، ثم اتخذت قرارها المبارك بإقامة الشعيرة بأعداد محدودة من حجاج الداخل، حرصاً على سلامة الحجاج، وسلامة دولهم من انتشار الوباء مستقبلاً. ولم تكتفِ بذلك بل قدمت حزم دعم سخية للمتضررين من جائحة كورونا، إضافة إلى برامج دعم أخرى ربما خصصت للمدينتين المقدستين.
يتخذ المستثمرون قراراتهم الاستثمارية بناء على العائد المتوقع، وهو ما لا تبحث عنه القيادة السعودية التي تنفق مئات المليارات لتطوير الحرمين الشريفين وتهيئتهما، طمعاً في المثوبة والأجر من رب العالمين.