إعداد - خالد حامد:
أعلن الرئيس ترامب أن الولايات المتحدة ستنسحب من منظمة الصحة العالمية التي تأسست في عام 1948، وأصبحت واحدة من أكثر المؤسسات الدولية الموجودة قدرة، وأثبتت أهميتها في مكافحة ومنع واحتواء الأمراض الفتَّاكة مثل شلل الأطفال، والإيبولا، والكوليرا، والحمى الصفراء، ومؤخراً فيروس كورونا. في حين أن بعض المؤسسات الدولية قد أظهرت أشكالًا مختلفة من الإجهاد المفرط، ظلت منظمة الصحة العالمية وفية لرسالتها.
إن قرار الولايات المتحدة بالانسحاب له ثلاث عواقب رئيسية:
أولاً، يقوِّض الجهود العالمية للاستجابة لأزمة فيروس كورونا. كما أن الوقت الحالي ليس مناسباً للثأر الإيديولوجي من منظمة الصحة العالمية. يعتقد الكثيرون بشكل خاطئ أن إسهامات منظمة الصحة العالمية في المعركة ضد فيروس كورونا تقتصر فقط على تتبع المرض ونشر معلومات جديدة حول انتقاله وعلاجه. ومع ذلك، توظّف المنظمة أكثر من 7000 موظف منتشرين في 150 مكتبًا حول العالم. هؤلاء العمال متعددو اللغات، ومرتبطون بالحكومات المحلية والمنظمات الخاصة، ومدربون على العمل في الدول المضيفة.
لا يمكن لأي وكالة أمريكية أن تضاهي قدرات هذه المنظمة العالمية. فمن خلال منع عودة ظهور الفيروس التاجي مرة أخرى في الدول النامية، ستنقذ منظمة الصحة العالمية الأرواح وتقلِّل من فرص عودة الوباء إلى الولايات المتحدة. منظمة الصحة العالمية هي الآن أكثر أهمية مما كانت عليه منذ تفشي وباء الإيبولا في إفريقيا. وهذا بالتأكيد ليس الوقت المناسب لسحب دعم الولايات المتحدة منها.
ثانيًا، خطوة الانسحاب تمثِّل تراجعاً عن التزام الولايات المتحدة المهم بتوفير منافع عامة عالمية تفيد جميع البلدان، وبخاصة الولايات المتحدة. لقد كان هذا الأمر ثابتًا في السياسة الخارجية الأمريكية منذ عام 1945. الانسحاب من منظمة الصحة العالمية هو بالفعل الأحدث في سلسلة من التراجعات عن الالتزامات الدولية التي تؤكد المظهر السلبي الذي لم تعد الولايات المتحدة تهتم به للحفاظ على النظام الذي دعمته وساعدت على إنشائه بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.
إن الالتزام بالتجارة الحرة وإدارة الأزمات الدولية من خلال المؤسسات المتعددة الأطراف يفيد جميع الدول، وخاصة الولايات المتحدة. هذا ليس أمرًا تسيطر عليه الحكومة الأمريكية مباشرةً، ولكنه أمر يحكم نفسه بنفسه، ويقلِّل من الأعباء التي ستقع على عاتق الولايات المتحدة. إن الانسحاب من منظمة الصحة العالمية هو تخلي آخر عن النظام الذي بناه رؤساء كلا الحزبين (الديموقراطي والجمهوري) لصالح بلدنا على مدى السنوات الـ 75 الماضية.
ثالثًا، يخلق هذا الانسحاب فرصًا جديدة للمتنافسين المحتملين مثل الصين وروسيا للتشكيك في القيادة الأمريكية لهذا النظام العالمي. تكره الطبيعة عادة الفراغ السياسي، لذا عندما تنسحب الولايات المتحدة من المسرح العالمي، ستسعى قوى أخرى لملء هذا الفراغ. وفي حين أن الصين وروسيا لا تزالان في وضع لا يسمح لهما بعد بالتحدي المباشر للولايات المتحدة، فإن مسار النمو والنهج العدواني يشيران إلى أن الوقت ربما قد حان.
تتدخل هاتان الدولتان بالفعل بشكل منتظم في سياساتنا الأمريكية في جميع أنحاء العالم، بدءًا من الهجمات الإلكترونية الصينية على أهداف اقتصادية وحكومية أمركية إلى التدخل الروسي في أجزاء من أوروبا والشرق الأوسط.
الانسحاب من منظمة الصحة العالمية في الوقت الذي أصبحت فيه القيادة الأمريكية حاسمة للغاية، حيث انتصرت دعاية سهلة لمنافسينا. سواء كان ذلك صعودًا أوروبيا بشكل ودي أو صعودًا عدائياً للصين، فإن الولايات المتحدة تفتح الباب أمام البديل لها من خلال التخلي عن التزاماتها الدولية.
القوى العظمى تصعد وتهوي، ولكنها نادراً ما تتملص من قيادة النظام الدولي طواعية. هذا هو بالضبط ما تفعله الإدارة الأمريكية الحالية بالانسحاب من المؤسسة المتعددة الأطراف الوحيدة القادرة على التعامل مع الأوبئة مثل الفيروس التاجي الذي يهدد الاستقرار في العالم.
** **
ستيفن لونج - أستاذ مشارك في جامعة ريتشموند الأمريكية - عن (ذي هيل) الأمريكية