تعد المملكة العربية السعودية من الدول المتقدمة في مجال استعادة آثارها من الخارج من خلال تواصلها مع عدد من الجهات والمراكز والأشخاص خارج المملكة لاستعادة قطع أثرية تم العثور عليها داخل الأراضي السعودية.
وقد استعادت المملكة من خلال الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني (سابقا) 32.555 قطعة أثرية من الخارج، كان أغلبها من الولايات المتحدة الامريكية (من العاملين في شركة أرامكو) بواقع 31.940 ثم من بريطانيا بواقع 614 قطعة أثرية.
وتمنع الأنظمة في المملكة العربية السعودية نقل الآثار إلى خارج البلاد، وهنالك عقوبات نظامية لمن يحاول ذلك بطرق غير مشروعة، إلا أن بعض القطع الأثرية وجدت طريقها إلى خارج البلاد عبر طرق عدة.
وقد شهدت بداية القرن التاسع عشر الميلادي توافد عدد من الرحالة الأجانب، ومعظمهم من الأوروبيين، إلى المملكة. وكان كثير من هؤلاء على دراية بالآثار وقيمتها، وعلى معرفة كبيرة بالكتابات القديمة أمثال: جورج أغسطس والن (wallin) 1266هـ /1848م، والإيطالي كارلو جورماني (Guarmani) 1864م، والإنجليزي شارلز داوتي (Daughty) 1877م، والفرنسي شارلز هوبر 1884م، والألماني أويتنج الذي رافق هوبر في زيارته. والرحالان الفرنسيان جوسين (Jaussen) وسافيناك (Savignac) 1907م، والتشيكي ألويس موزيل (Musil) 1910م، والإنجليزي جون فيلبي (عبدالله فيلبي Philpy) 1917م، وغيرهم، إلا أن بعض هؤلاء الرحالة لم يكتفِ بجولاته الميدانية، وتسجيل الآثار، وتصويرها، ودراستها، بل عمد إلى أخذها ونقلها إلى خارج البلاد. ولعل أشهر هذه القصص قصة مسلة تيماء التي يصفها أويتنج على أنها أغلى غنيمة حصل عليها من رحلته إلى الجزيرة العربية. وبعد مقتل هوبر وصلت المسلة إلى فرنسا من قبل القنصل الفرنسي في جدة.
كما قام الكثير من موظفي الشركات الأجنبية، وخصوصاً العاملة في مجال النفط، بزيارات ميدانية في أنحاء متفرقة من المملكة؛ لدراسة جيولوجية الأرض، والتعرف على مظاهرها الطبيعية. وصاحب ذلك التقاطهم للآثار التي تقع في متناول أيديهم والاحتفاظ بها في مجموعات ثم السفر بها إلى الخارج عندما تنتهي عقودهم، أو يقومون بإهدائها إلى المتاحف في بلدانهم الأصلية. وتتوزع بعض هذه القطع التي خرجت خارج البلاد بهذه الطريقة في كل من: فرنسا، وألمانيا، وبريطانيا، وأمريكا.
ولعل المملكة العربية السعودية أحسن حالاً من بعض الدول المجاورة؛ كونها بقيت بعيدةً عن الاستعمار الأجنبي الذي أخذ الآثار عنوةً في كثير من الأحيان ومن دون وجه حق، رغم محاولات التبرير. كما أن البيئة الصحراوية وصعوبة التنقل حدَّتا كثيراً من حركة تنقل الرحالة والمهتمين بالآثار. وعلى الرغم من ذلك، فإن بعض القطع الأثرية وجدت طريقها إلى خارج البلاد بطريقة أو بأخرى. كما أن لصوص الآثار يقومون أحياناً بنبش المواقع الأثرية؛ طمعاً في الحصول على الكنوز الأثرية والكسب المادي السريع، وهم بذلك يدمرون أهم الأدلة الأثرية التي تحتويها المواقع الأثرية من تسلسل طبقي، ومعلومات غاية في الأهمية؛ لدراسة تاريخ الجزيرة العربية وفهمه. ولم تقتصر هذه الأعمال على البر بل تجاوزت ذلك إلى البحر؛ فعمد الغطاسون إلى شواطئ الموانئ القديمة في كل من البحر الأحمر والخليج العربي وغطسوا بحثاً عن حطام السفن القديمة وما تحويه من كنوز، ولعل من أشهرها كنز الشعيبة الذي وجده أحد الغطاسين واستطاع تهريبه إلى الولايات المتحدة الأمريكية ثم تمكنت المملكة من إعادته بتوفيق من الله -سبحانه وتعالى- ثم بتظافر جهود أجهزة الدولة المختلفة؛ ولذلك نجد أنفسنا أمام حالة تستحق التوقف والنظر وبذل الجهد لحماية الآثار ومنع خروجها من البلاد، واستعادة ما خرج منها سابقاً بطرق غير مشروعة. إن التراث الثقافي جزءٌ لا يتجزأ من الهوية الوطنية، وفقدان أي عنصر منه يعد فقداناً لجزء من ثقافة البلاد، وخسارة لا تقدر بثمن. وإدراكاً من المملكة لهذه الأهمية؛ فقد انضمَّت مبكراً إلى عضوية المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)، وعضوية المجلس العالمي للآثار والمواقع الطبيعية (ICOMOS)، ووقعت على اتفاقيات حماية التراث الثقافي والطبيعي؛ بوصفه مصدراً وطنياً، مع الالتزام بالمسؤوليات التي يتضمَّنها هذا التوقيع من التنظيم المناسب، واللوائح المساندة، والبرامج اللازمة لتحديد الموارد وتنميتها. وحظيت استعادة الآثار التي خرجت من البلاد بطرق غير مشروعة باهتمام كبير من الدولة من خلال هيئة السياحة والتراث (سابقا) بمساندة الأجهزة الأمنية في وزارتي الداخلية والخارجية، وسفارات المملكة في الخارج، ووزارة المالية -ممثلة بمصلحة الجمارك السعودية-. والمعارض التي تنظمها الهيئة للآثار الوطنية التي تمت استعادتها تأتي ضمن الجهود المبذولة لتعزيز الوعي بأهمية الآثار، وضررة المحافظة عليها؛ كونها مصدراً مهماً للتراث الوطني، وتراثاً لا يُقدر بثمن. كما أن هذه المعارض تبث رسالة إلى كل مَن يملك آثاراً خرجت إلى خارج البلاد بأن يعيدها إلى موطنها الأصلي وبيئتها الطبيعية، وإلى كل مواطن ومقيم حصل على قطع أثرية من مواقعها أو من غير مواقعها بطرق غير مشروعة، بأن يبادر بتسليمها إلى قطاع الآثار والمتاحف في الهيئة؛ ليصبح الحامي الأول لآثار البلاد. وتحركت الهيئة في اتجاهات عدة، من ضمنها العمل مع الجهات الدولية التي تتابع الآثار والمتاحف الدولية وأصحابها، وكل المسارات التي تؤدي إلى التعرُّف على القطع الموجودة خارج المملكة. كما تعاونت مع جميع الشركاء لتفعيل مشاركة المواطنين والمقيمين وجميع الشركاء المعنيين من الجهات الحكومية وغير الحكومية في هذا الجهد، والتوعية بأهمية مشاركة الجميع في الجهود المبذولة لاستعادة الآثار الوطنية من الداخل. وجاء تحرك الهيئة لاستعادة الآثار وفق الأنظمة والقرارات، ومنها نظام الآثار الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/3) وتاريخ 9-1-1436هـ؛ إذ نصت المادة السادسة عشر على أنه: «على الهيئة -بالتنسيق مع الجهات المختصة- أن تعمل على استعادة الآثار الوطنية، وأن تساعد على إعادة الآثار الأجنبية المهربة والمنقولة بطرق غير شرعية من المملكة وإليها، وذلك وفقاً للاتفاقيات والمعاهدات الدولية ذات العلاقة التي تكون المملكة طرفاً فيها».
كما صدر أمر سامٍ كريم في تاريخ 26-12-1430هـ يقضي بالموافقة على تشكيل لجنة دائمة لاستعادة الآثار الوطنية التي نقلت إلى خارج المملكة بطرق غير مشروعة، برئاسة الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، وعضوية: وزارة الداخلية، ووزارة الخارجية، ووزارة المالية ممثلة بمصلحة الجمارك، ووزارة التجارة والاستثمار، والنيابة العامة (هيئة التحقيق والادعاء العام سابقاً). وتقديرا لمبادراتهم قامت الهيئة بتكريم عدد كبير من معيدي القطع الأثرية من خارج المملكة.