م. بدر بن ناصر الحمدان
قرأت قبل فترة معلومة أوردها حساب «مصطلحات عامة» عن «الدَّنْصَرة»، حيث يصفها بـ»المصطلح الحديث المنحوت من الديناصور، ويُقصد به التمسك بالأفكار والسلوكيات والمناهج والأساليب القديمة البالية في عصرنا الحالي والتي فقدت الصلاحية للبقاء تماماً، كما انقرض الديناصور لعدم تكيفه مع عوامل البيئة»، والحقيقة أن هذا الوصف استوقفني كثيراً، وأثار بداخلي عدة تساؤلات حول ما يحدث من دَّنْصَرة لبعض المدن في مختلف مساراتها من قبل أشخاص يعتنقون عقليةً لم تعد صالحة للتعامل مع نمط إدارة الحياة التي تعيشها هذه المدن اليوم.
التجربة السعودية الأخيرة أثبتت وبشكل قاطع قدرة العقول الشابة في المستويات كافة على إحداث الفارق، وبشكل سريع جداً، لقد كان الرهان عليهم في محله، عندما تم تمكينهم ومنحهم صلاحية صناعة واتخاذ القرار، والأبعد من ذلك الاستجابة لمبادراتهم الطموحة ودعمها ومساندتها ونقلها على أرض الواقع، حدثاً مشاهداً يلمسه الناس ويتعايشون معه، هكذا هي النتيجة حينما يكون التغيير لصالح من يستطيعون مجاراة ديناميكية التطوير وفهم الأهداف التي تم توظيفهم من أجلها.
الوجه الآخر لهذه الدَّنْصَرة والتي يجب الانتباه لها، ثلة من المُنظِّرين الذين ما زالوا يقدسون بعض المبادئ والنظريات والأفكار التي ملأوا الدنيا بها ضجيجاً ردحاً من الزمن، وأضاعوا أوقاتهم وأوقات غيرهم في محاولة إثبات صحتها وفاعليتها، ويعودون في كل مرة للدفاع عن توجهاتهم المبنية عليها، وهم يعلمون جيداً أنها كانت وراء إخفاقهم لسنوات مضت في تقديم «منتج حقيقي» يمكن أن يؤثر في حياة الناس، ولم يجنوا من الانقياد نحوها إلا «صناعة الوهم»، وربما شيئاً من الوهج الشخصي الذي كانوا يبحثون عنه.
مُدن اليوم هي مكان للإنجاز، أما «التنظير» فمكانه الجامعات ومراكز البحوث واللقاءات العلمية وأروقة النشر، لم يعد في «الميدان العملي» مجالاً لإضاعة الوقت في التداول حول مواضيع وفرضيات وشعارات وعواطف لا تذهب بنا إلى «نتيجة» يمكن توظيفها في مشاريع وبرامج ومبادرات فعلية تساهم في بناء تركيبة عمل هذه المدن، التجربة العالمية مليئة بالنتاج العلمي المثبت بما يُمكّن من الاستفادة منه مباشرة وباحترافية أكبر، دون انتظار ما قد تؤول إليه مداولات أولئك الغارقون في تسويق أنفسهم قبل أفكارهم، ولا يدرون أن الزمن قد تجاوزهم.
البقاء في دائرة تنافسية مدن المستقبل يتطلب منح الجيل الجديد الفرصة الكاملة، والزج بعقول شابة وطموحة وشغوفة، يقول الدكتور غازي القصيبي رحمه الله: «إن محاولة تطبيق أفكار جديدة بواسطة رجال يعتنقون أفكاراً قديمة هي مضيعة للجهد والوقت».
العبرة بما «أنتجته»، لا بما تفكر فيه..!