الهادي التليلي
موسم الحج هذا العام لم يكن عاديًا بكل المقاييس، حيث إنه تزامن مع جائحة كورونا التي فرضت إجراءات خاصة وجعلت العالم بأسره أسيرها ينتظر كيف ستتم إدارة محتواه، كيف لا وهذه الشعيرة تعودت على تقديم أكبر تجمع بشري على وجه المعمورة، وقبل ذلك تضاربت توقعات المنتظرين منهم من توقع الإلغاء ومنهم من توقع تنظيمها بشكل مخصوص، وهؤلاء يعرفون جيدًا قدرة المملكة على إدارة هذه الفعاليات، وفعلاً تم إقراها مع إجراءات تشبه الظرف الذي تنزلت فيه ولكن بإبداعية من أدار أزمة كورونا باقتدار شهد به القاصي قبل الداني.
وبقي العالم ينتظر كيف سيكون الأمر وكيف سيؤثر على مناسك الحج من طواف يصعب السيطرة عليه من ناحية فرض التباعد، زد على ذلك دخول وخروج الحجاج للحرم..
هنا آخذ زوم الكتابة إلى بداية القرن العشرين واستذكر الفنان التشكيلي الأسطورة فيكتور فازاريلي مجري المولد وفرنسي النشأة والذي قيل لن يصل بعده كما لم يصل قبله إلى ما وصل إليه في فن الجرافيك واللعب على عين مشاهد اللوحة إلى ما يشبه الخدعة البصرية بإبداع وروعة جعلته الوحيد من رسامي جيله، أنشئ له متحف في حياته 1970 بفرنسا وسمي متحف فازاريلي التعليمي، وفي سنة 1976 شيد له متحف بالمجر إبداع فازاريلي في هندسة الوحدات التشكيلية لتشكل نسيجًا علاميًا يعتمد التناظر النسبي بشكل يجعل اللوحة تتحدد بتحدد زاوية النظر وتناظرها لم يكن سليل استفادة من خيرات التكنولوجيا والبرمجيات وإنما نتيجة إبداع رسام لا يتكرر في التاريخ حتى لابنه الذي أراد أن يرث والده عجز أن يرث إبداعه.
والسؤال الذي يطرح نفسه وأنا أحرك زوم الكتابة ما دخل كيفية إدارة موسم الحج زمن كورونا وفازاريلي، والإجابة هي أن اللوحة الرائعة التي تداولها العالم بانبهار والتي تجسد مشهد الطواف في تناظر جيومتري غاية في الإبداع والروعة والذي من حيث نظرت إليه وجدت سحراً وإبداعاً مختلفاً والانسجام اللوني بين الحجاج ومن قاموا بتسيير المناسك ميدانيًا كان لوحة ولا أقصد عبارة أشبه ما يكون باللوحة، فعلاً كانت أثرًا قبل أن يترجم في لوحة بقيت على إيقاعها طيلة أيام الحج وليس لحظة تم اقتناصها في رسمة بل مشهد غاية في السينمائية من حيث التناغم والانسجام والجمالية.
فعلاً اللوحة الحية كانت أجمل مما التقطته عدسات التصوير واللوحة الحية وهي تجسد في أثر فوتوغرافي يعج بالهندسة والتناظر بشكل يفوق روعة فازاريلي لأن فازاريللي يرسم لوحته وما تم اقتناصه مشهد حي لم يقم به ممثلون محترفون ولا مخرج سينمائي وإن كان المشهد يخفي وراءه جيشًا من المخرجين ضحوا بسكينتهم لأجل خدمة ضيوف الرحمن.
لوحة الحج هي ما لم يرسمه فازارللي بعد وهو القائل أفضل لوحاتي هي التي لم أرسمها بعد وهي لوحة تحدت جماليتها كورونا والظرف الحساس للعالم وقدمت درسًا في إدارة المملكة للحج حتى في زمن كورونا بجمالية وإبداع في التنظيم وكذلك بالحرص على سلامة الحجاج، حيث كانت الشعائر خالية -والحمد لله- من الإصابات بكورونا. نجاح المملكة في إدارة الحج زمن كورونا يضاف لنجاحاتها في إدارة أزمة كورونا.. الذي سيترد صدى جمالية لوحته على مدى الأجيال ولكن لن يتسع متحف لتقديمها لجمهور الفن التشكيلي، فهي معنى يشم ولا يحك كما الشعر تمامًا.