منصور ماجد الذيابي
ذكرت في مقال سابق بعنوان: «الاستثمار التركي في مناطق التوتر الإقليمية» أوضحت فيه نزعة الحكومة التركية الحالية لاستثمار أواستغلال ما يجري في بعض دول المنطقة العربية كالعراق وليبيا بنفس الطريقة التي استثمرت فيها روسيا ما جرى ويجري في سوريا منذ اندلاع الأزمة السورية قبل نحو عشر سنوات.
ومن هذا المنبر أتساءل إن كان التدخل التركي في الشأن الليبي قد ساهم في إيجاد توافقات بين الفرقاء الليبيين، أم أن دخول القوات التركية لصالح أحد طرفي النزاع قد زاد المشهد تعقيداً وتصعيداً؟
نعلم أن ما يهم الأتراك هو استمرار التصعيد بين الأطراف المتحاربة لأجل ضمان اعتماد حكومة الوفاق الوطني على الذراع التركية العسكرية مقابل بسط النفوذ التركي بالقرب من آبار ومحطات النفط الليبية لفترة زمنية طويلة تستثمر خلالها تركيا تواجد قواتها في منطقة الهلال النفطي ذات الاستراتيجية الكبيرة لكونها تضم أكبر احتياطيات النفط في إفريقيا حيث تحتوي على 80 في المائة من الثروة النفطية للبلاد وتنتج حقوله نحو 60 في المائة من الإنتاج النفطي، وفي هذه المنطقة أهم موانئ تصدير النفط.
وليست ليبيا الدولة الوحيدة التي تعاني من استغلال تركيا للأوضاع الأمنية في المنطقة وإنما هناك دول أخرى تعاني كالعراق وسوريا وقطر. وحتى اليمن كذلك لم يسلم من التدخل التركي ولو من خلال الوكلاء الذين يدعمون حركة التمرد الحوثية ناهيك عن تأييد تركيا لإيران في دعمها للحوثيين، الأمر الذي يثير التكهنات حول تقاسم إيران وتركيا النفوذ على مناطق الصراع في الشرق الأوسط.
من ليبيا للشام فالعراق واليمن
حرائق أوقدها الشيطان وابنه الصغير
وفضلاً عن الأطماع التركية المكشوفة في ليبيا وشرق المتوسط نجد أن ألمانيا وهي الحليف التاريخي للدولة العثمانية لا زالت تقوم بتوجيه تركيا كوكيل لها في المنطقة العربية لتعويض خسارتها جراء الهزيمة الساحقة التي تكبدتها على يد التحالف الدولي في الحرب العالمية الثانية وتحديداً أمام المنافس التقليدي لها إبان تلك الحقبة الزمنية من التاريخ وهي بريطانيا التي قضت على آمال ألمانيا وأجهضت أحلامها بالتوغل في مناطق النفط العربية عن طريق وكلائها العثمانيين وولاة العثمانيين في شبه الجزيرة العربية وشمال أفريقيا.
ومن هنا نتفهم سبب غضب وزير خارجية ألمانيا مؤخراً عندما انتقد في تصريح له محاولات مصر تقريب وجهات النظر بين الأطراف الليبية حينما استقبلت وفد القبائل الليبية للإعراب عن قلقها من تهديد الأزمة في ليبيا للأمن القومي المصري. وكان الوزير الألماني برّرَ نشاط الدبلوماسية المصرية مع القبائل الليبية بأنه يأتي في إطار تصعيد الوضع المتوتر في ليبيا دون أن يشير إلى التدخل الروسي ممثلاً في شركة فاغنر، وهي وحدة سرية تتبع لوزارة الدفاع الروسية وتستخدمها الحكومة الروسية في الصراعات المسلحة. ويتزايد وجود هذه الشركة في منطقة الهلال النفطي، بؤرة الثروة الليبية المشتعلة، وأيضاً في قاعدة الجفرة. كما لم يتطرق الوزير الألماني للتدخل التركي عسكرياً في دائرة الصراع لتحقيق مكاسب اقتصادية وهيمنة عسكرية على حساب استقرار الشعب الليبي وعلى حساب حقه في تقرير مصيره دون تدخلات أجنبية.
وعلى خطى فاغنر جاءت القوات التركية في محاولة لاستثمار قوتها العسكرية في هذا البلد الذي مزقته الحرب الأهلية منذ بدء مرحلة الربيع العربي التي أطاحت بنظام العقيد معمر القذافي عام 2011م.
والغريب في الأمر أن الرئيس التركي يحارب العرب بمرتزقة عرب وأفارقة تم تجنيدهم وتأهيلهم في سوريا وإرسالهم للقتال إلى جانب قوات حكومة الوفاق. وبالتالي فهو لا يخسر سوى تكلفة تحريك قواته ونشرها على الأرض الليبية، ولكن التكلفة هنا يقابلها تعويضات نفطية هائلة تتمثل في المبدأ الانتهازي « النفط مقابل الحماية التركية» وهو الشعار الذي لا يختلف عن برنامج « النفط مقابل الغذاء» الذي أقرته الأمم المتحدة عام 1995 ليسمح للعراق بتصدير جزء من نفطه ليستفيد من عائداته في شراء الاحتياجات الإنسانية لشعبه تحت إشراف الأمم المتحدة. والآن تفرض تركيا وجودها العسكري مقابل حصولها على النفط الليبي كثمن لدعمها طرفا ضد آخر وليس للمساعدة في إنهاء النزاع وإحلال السلام والاستقرار.
وإن كانت هذه الدول جاءت بناء على طلب من طرفي النزاع في ليبيا، فلماذا لا يستقوي الفرقاء الليبيون بدول إقليمية عربية تدخل الساحة الليبية تحت مظلة جامعة الدول العربية وتسهم بإحلال السلام من خلال تشكيل مجلس انتقالي يتبعه انتخابات حرة تشرف عليها جامعة الدول العربية. وبذلك تسقط المزاعم وتنتفي مبررات الدول الأجنبية في التدخل العسكري لبسط النفوذ ونهب ثروات الشعب الليبي الكريم؟!
أرى أن حل الأزمة الليبية يتطلب قيام الجامعة العربية بمبادرة عربية لإنهاء النزاع وحقن الدماء وإحلال السلام في هذا البلد العربي الذي مزقته الحروب وبات ساحة مستباحة لفرض الهيمنة الروسية والعثمانية والأوروبية. ولذلك لا بد أن يغلّب الفرقاء الليبيون مصلحة الوطن العليا فوق المصالح السياسية الضيقة للأطراف المتنازعة من خلال الجلوس على طاولة مفاوضات والعمل على تشكيل حكومة توافق وطنية تكنوقراطية جديدة تمثل جميع الأطراف الليبية.