د. محمد عبدالله العوين
والأكثر دقة: هل انتهت دورة حقبة الجفاف المناخية الطويلة في جزيرة العرب؟!
ليس في بلادنا فحسب؛ بل في جزيرة العرب كلها على الرغم من أن المملكة - حرسها الله - تحتل معظم مساحة الجزيرة من جميع الجهات؛ لأن الحديث المحتدم عن تغيرات المناخ هذه الأيام يشمل اليمن وعمان والإمارات العربية والبحرين والكويت وقطر، ويمتد شرقًا إلى أطراف العراق، وشمالاً إلى أطراف الشام وغربًا إلى أطراف مصر والسودان.
ومما حفزني على الكتابة في تغيرات المناخ ما شاهدناه خلال السنتين الماضيتين متواصلاً إلى اليوم من هطول أمطار غزيرة وبكثافة عالية واستمرارها أيامًا وفي بعض الأحوال أسابيع على مناطق عدة من مدن المملكة؛ وبخاصة منطقة عسير وفيفا والباحة، ومنطقة الحجاز؛ مكة والمدينة والطائف وجدة والمدن والقرى التابعة لها باتجاه الغرب على امتداد البحر الأحمر، وما لحظناه أيضًا من هطول أمطار غزيرة جدًا على عمان العام الماضي وعلى اليمن اليومين الفائتين نتج عنها فيضان سدود وامتلاء شوارع لم تستطع استيعاب كميات الأمطار ولم تستطع عبارات السيول تصريفها مما أحدث تلف سيارات وانهيار منازل.
لم يكن يتوقع أحد هطول أمطار غزيرة على منطقتي نجد والحجاز في عز اشتداد حرارة فصل هذا الصيف، كما حدث في الدوادمي وتربة والرس والنبهانية وحوطة بني تميم والحريق، وكما حدث في مكة والمدينة، لكن هذا الهطول الغزير وعلى الأخص في مثل هذا الفصل من فصول السنة على غير ما تعودنا عليه سنين طوالاً يؤكد بداية انحسار التغير المناخي في استهلال لحقبة مناخية وبيئية ممطرة ومنبتة جديدة -بمشيئة الله- وانتهاء لحقبة جفاف طويلة خيمت على الجزيرة العربية مئات السنين.
وبقراءة دقيقة فاحصة للأشجار المتحجرة وللصخور والجبال والأودية، والحفر الأثري في تربة عدد من المواقع سنجد آثارًا وأدلة بليغة تؤكد الحياة المطرية والنباتية الغزيرة والكثيفة في معظم أنحاء جزيرة العرب، وأن أوديتها الكبيرة والصغيرة كانت أنهارًا جارية، وأن شلالات المياه الناتجة عن الأمطار التي لا تكاد تنقطع كانت لا تتوقف عن الانحدار من أعالي الجبال ومنخفضاتها مكونة بحيرات صغيرة وكبيرة، وأن عيون الماء تتفجر في مواضع متعددة أو تكون مياهها قريبة من سطح الأرض، وكون ذلك المناخ المطري الغزير قبل آلاف السنين بيئة نباتية كثيفة الاخضرار غنية التنوع بالثمار متعددة الأنواع والفصائل، وقد رصدها الشاعر العربي في قصائد الرحلة والقنص والطرد، ووصف الشاعر العربي في مرحلة ما قبل الإسلام وهي مرحلة ممتدة وطويلة لم يجمع من شعرها إلا القليل برك الماء والأودية الجارية والأشجار الملتفة باثًا نجواه وشكواه ولوعته، متحدثًا إلى الآكام والطيور والغزلان والوحوش.
ولعل هذه البداية لانحسار حقبة الجفاف الطويلة ودخولنا الحقبة المناخية الممطرة الغزيرة الغنية بتنوع الأشجار والنباتات مصداقًا لحديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم « لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجًا وأنهارًا.. «.
ويتنبأ باحثون في علوم الطقس بأن هذا الاستهلال المطري الغزير سيبدأ في التصاعد خلال السنوات الأربع القادمة حتى يبلغ ذروته عام 2025 م، والله أعلم.