د. عبدالحق عزوزي
يجمع خبراء الإستراتيجية أنه هناك خمسة أجيال من الحروب عبر التاريخ؛ وهي تعكس بجلاء تطور البشرية وبناء الدول والنظام الدولي إلى غير ذلك. أما الجيل الأول من الحروب فيمكن أن نحقب له من 1803 إلى 1815 وهي حقبة اعتمدت فيها الحروب على القوة البشرية مثل حرب نابوليون، حيث قوة الجيوش بقوة أعدادها؛ وللذكر فإن الحروب النابليونية تستخدم في تعريف سلسلة الحروب التي وقعت في أوروبا خلال فترة حكم نابليون بونابرت لفرنسا. وكانت هاته الحروب امتداداً جزئياً للحروب الثورية التي أشعلتها الثورة الفرنسية، والتي استمرت خلال فترة الإمبراطورية الفرنسية الأولى؛ بدأت مع تجدد إعلان الحرب بين بريطانيا وفرنسا، بعد الاتهامات المتبادلة لانتهاك الاتفاقيات المنصوص عليها في معاهدة أميان، وانتهت يوم 18 يوليو 1815 بعد هزيمة نابليون النهائية في معركة واترلو وتوقيع معاهدة باريس الثانية.
أما الجيل الثاني من الحروب، فهو وليد الثورة الصناعية، وظهور ما يسميه بعض الاستراتيجيين بحروب المدافع والنيران، والحرب العالمية الأولى هي أفضل مثال على ذلك؛ ثم عندنا حروب الجيل الثالث، ويتميز بالحرب الخاطفة كما هو شأن انتصار ألمانيا على فرنسا سنة 1940؛ لتظهر فيما بعد حروب العصابات التي طبعت بعضاً من فصول الحرب الباردة كحركة التمرد في الفييتنام ، وهي سمة الجيل الرابع من الحروب، كما أنها حروب غير تقليدية؛ وللذكر فإن حرب فيتنام أو الحرب الهندوصينية الثانية كانت على شكل نزاع بين جمهورية فييتنام الديمقراطية (شمال فيتنام)، متحالفة مع جبهة التحرير الوطنية، ضد جمهورية فيتنام (جنوب فيتنام) مع حلفائها (وكانت الولايات المتحدة الأمريكية إحداهن) بين 1 نوفمبر 1955 و30 أبريل 1975؛ وفي عام 1957، بدأت قوات الفيت منه في الجنوب في التمرد على حكومة ديم. وقد عرف هؤلاء بالفيت كونغ. وفي عام 1959، أعلنت شمال فيتنام تأييدها لهذه الفئة وأمرتها بشن كفاح شامل ضد حكومتها. وفي عام 1960، شكل الثوار جبهة التحرير الوطنية التي أوكلت إليها مهمة قيادة الثورة.
أما الجيل الخامس، فيتمثل في الحروب المعاصرة، وهي حروب هجينة تجمع بين مكونات الحروب التقليدية وغير التقليدية؛ ولعل أهم تجل لها يكمن في الحروب الإلكترونية....
وفي هذا الصدد سمعنا منذ أيام قليلة تصريح الرئيس الأمريكي الذي أعلن فيه على متن الطائرة الرئاسية أنه سيحظر استخدام تطبيق «تيك توك» في الولايات المتحدة حيث تشتبه السلطات في إمكان حصول عمليات تجسس عبره لحساب الاستخبارات الصينية. وقال ترامب إنه سيتخذ إجراءات عبر استخدام صلاحيته لحالات الطوارئ الاقتصادية أو عبر أمر تنفيذي. وللذكر فإن مسؤولين وبرلمانيين أمريكيين عبروا في الأسابيع الأخيرة عن قلقهم من استخدام بكين للمنصة التي تملكها مجموعة «بايتدانس» الصينية وتلقى رواجا كبيرا، لغايات سيئة. كما أن هذا القرار يأتي بعد مراجعة أجرتها «لجنة الاستثمارات الخارجية في الولايات المتحدة» التي تنظر في العقود التي تؤثر على الأمن القومي الأمريكي؛ ثم إن السلطات الأمريكية في «لجنة الاستثمارات الخارجية في الولايات المتحدة» تملك صلاحية إلغاء عملية استحواذ تمت الموافقة عليها في الماضي، وقد حدث أمر كهذا في سنة 2019 مع تطبيق «غريندر» بعدما تم شراؤه من قبل شركة صينية.
ويعرف تطبيق «تيك توك» رواجاً كبيراً لدى الشباب خصوصاً بفضل تسجيلات الفيديو. ويبلغ عدد مستخدميه حوالي مليار شخص في العالم. وكانت شعبية التطبيق قد ارتفعت بعدما استحوذت «بايتدانس» على تطبيق «ميوزيكال.لي» الذي يتخذ من الولايات المتحدة مقراً له في 2017 ودمجته بخدمتها الخاصة للفيديو.
إذا ثبتت صحة اتهامات الرئيس الأمريكي في حق تطبيق «تيك توك» فإن ذلك يدخل في إطار المحددات الحالية لنوعية التجسس والحروب من الجيل الخامس التي بدأت تتغير جذرياً عما ألفناه وعما نظر له كبار الاستراتيجيين التقليديين أوالكلاسيكيين للحروب كالصيني القديم صن تزو او الجنرال البروسي كارل فون كلاوزفيت الذي يشبه الحرب بمبارزة على أوسع نطاق ويقارنها بصراع بين اثنين من المتبارزين ليستنتج من خلال ذلك أن «الحرب هو عمل من أعمال العنف تستهدف إكراه الخصم علي فرض إرادة معينة» فالعنف هو الوسيلة، أما الغاية فهي فرض الإرادة على الخصم..... أما اليوم فمن شأن عمليات التجسس الإلكترونية أو الهجمات الإلكترونية أن تتعدى ويلات ما ألفناه في السابق ويمكنها أن تتسبب في وقوع ضحايا وخسائر جسيمة وبطريقة سهلة وذكية.