مرام فهد المشاري
(ذاك كلام كتب!) عبارة مُدانة بالكثير من الجرم بحق البشر، والمؤسف أن البشر أنفسهم هم من يستخدمونها كسلاح تجاه الآخر، يقتلون بها كينونته ويوهمونه باليأس، اليأس البعيد عن الرضا، اليأس المعبر في صميمه عن الاستسلام والتوقف عن السعي، والحرمان من المحاولة، مع ضرورة الإشارة إلى أن اليأس يصنف كاضطراب نفسي! فأي معنى للمساعدة ذاك الذي يسبب للآخرين المعاناة والتوقف عن الشعور بالحياة وممارسة العيش فقط، (كلام كتب) عبارة أوقفت الكثير من العقول، أثبطت القوي من الهمم، وشلّت الجميل من الفكر، وتسببت بالكثير من الأذى، جعلت ضحاياها ينتهجون نهج القطيع ولو كان من خلال زاوية اللاوعي، لأن الحقيقة تقول إن الكثير يكرهون أن يوسموا بهذا الوسم «ثقافة القطيع»، وهو مصطلح شائع يرمز للعلاقة الفكرية بين الفرد وجماعته وكيف تتحول سلوكياته وتتغير أفكاره محاكاةً لجماعته، فتجده شبه مسيِّر يفتقر للعقلانية ويتجاهل التخطيط والمنطقية، لأنها انعكاس فعلي للجهل وتعبير على اهتزاز الشخصية، كيف لا وهم يفصلون حصيلة عقولهم عن حياتهم، وكأن حشو ذاك العقل بالعلوم والمعرفة مجرد تصرف عشوائي لا طائل منه، المؤسف أننا نجد فئة كبيرة من أفراد مجتمعنا يسعون للتقدم بالدراسة بالاطلاع بالعمل بالقراءة، كل منهم معجب بالاستقلالية والتخطيط وحرية الرأي، ويدركون أن الهدف الحقيقي لكل فرد طموح هو أن يشق الطريق لنفسه، وما أن يحاول حتى يهمزه الكثير بضرورة النظر للواقع، يحدثهم عن شهاداته فيخبرونه بالواقع! يحدثهم عن مستقبله الوظيفي فيحدثونه عن الواقع! يحدثهم بشأن ارتباطاته، اهتماماته، توجهاته، أهدافه حتى يلجمونه: بـ»الواقع مختلف»!، لم يعد فاه الواقع يتسع لكل ما يحاول البشر أن يدسوه فيه، فلا عجب أن هذا الواقع سيئ فهو مصاب بعسر هضم، كل تلك الأمور التي يعجز عن تصريفها إلا بإعادتها للبشرية نفسها،! كيف لنا أن نتقدم؟ كيف لنا أن نتغير للأفضل؟ كيف سنحظى بحياة هانئة مادمنا نركن عقولنا على أرفف الكتب التي أنتجتها عقولنا، ولخصتها تجاربنا، ولهثت من أجلها أرواحنا، الكتب التي بشديد الأسف امتهنّاها وحددنا حدودها سلفًا فقط من أجل الواقع!؟، الواقع الذي لو حاولنا استنتاج معناه الحقيقي فما هو إلا ما نحن عليه وما اخترناه أن يكون من خلال حقائق نحن من صنعها بتفاعل أفكارنا وأحاسيسنا وبيئتنا، إذًا الواقع ليس إلا سجناً يسعى فيه المساجين لاستقطاب عدد أكبر من حديثي الرية، وأقصد هنا تحديداً حرية الفكرة وحرية الرأي وحرية الاختيار، المرارة في ذلك كله أننا سنبقى عالقين إلى الأبد إن استمررنا بقطع الحبال وبقمع الثقافة وبدفن التطلع للأفضل بكراهية أن يتفوق أحدنا على الآخر حين يستغني عن بوصلة الواقع المكممة مستدلاً بالنجوم المحلقة ليحلق معها في فضاء واسع، ذاك فقط من تعطش للعلم ليتعلم، ومن لحق بالمعرفة كي يتطور، ومن تسلح بالثقافة ليهزم جهله، ومن سعى للفائدة من كل ما وقع بين يديه وأمام ناظريه وعلى مسمعيه واغتنى وأغناه الله بالعلم الواسع ليكون مباركاً بإذنه أينما كان، هو من تحققت آماله بكثرة دعائه {قُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا}.. [طه: 114].