«الجزيرة الثقافية» - محمد المرزوقي:
فصول من الحكايات، التي يروي تفاصيلها معالي الأستاذ عبد الرحمن بن إبراهيم أبو حيمد، رئيس مجلس إدارة مؤسسة «الجزيرة» الصحفية، وكيل الحرس الوطني وعضو مجلس الشورى سابقاً، الذي يحكي للقارئ رواية، ضمنها تسعة وستين مشهدا، في كل مشهد قصة لبطل، آثر على نفسه البطولة ليصنع للقارئ في كل قصة «بطلا موازيا»، بأسلوب سهل ماتع ممتع ممتنع، بوصت هادئ، وعمق هادر، يقول أبو حيمد: «كل إنسان معرض للعديد من الأمراض، وكلما تقدمت به السنون، كلما زاد هجوم الأمراض عليه، وفي ذلك رحمة من الله عليه، حيث يغفر الله بالطاعات أو الأمراض ذنوب العباد إذا رضي بها وصبر عليها، وعبد الله الفقير إلى عفو ربه تعرض ولازال يتعرض للعديد من الأمراض منذ صغره إلى اليوم، وكل مرض يقاومه ويعالجه بما أتيح له من علاجات وأسباب، ومن ضمن هذه الأمراض التي تعرضت لها مرض الفشل الكلوي، وقد تم اكتشافه لدي حوالي العام 2006م، ولا بد لذلك من مسببات، ولعل من ذلك استعمال المسكنات، التي كنت أستعملها عند تعرضي لحالات البرد والزكام وما أكثرها! أو ارتفاع معدل ضغط الدم الموروث، أو أسباب أخرى، ولقد بذلت وبمساعدة الأطباء الذين يتولون علاج ما أتعرض إليه من أمراض، والعائلة التي توفر لي وجبات ومشروبات، لا تؤثر سلبا على الكلى.
وتتصاعد الأحداث في سرد تجربة (حقيقة)، للوصول بالقارئ إلى غاية كبرى، الحقيقة أيضا مبتغاها، فيما ستصل به إليه، مضيفا أبو حيمد في سياق البطولة مع الذات: «لقد بذلت جهودا للتعايش مع هذا المرض وغيره من الأمراض، لأطول مدة ممكنة، وقد نجحت في ذلك كما أخبرني الأطباء المعالجون، ولكنني لم أستطع إطالة تلك الفترة، أكثر من أحد عشر عاما تقريبا، حيث وصل الكرياتينين إلى ما يزيد عن الخمسة، والمعدل الطبيعي للإنسان في حدود واحد، أو واحد واثنين من عشرة، وبدأ الهيموجلبين وكريات الدم الحمراء تقل عن عشرة، بينما معدلها في حدود خمسة عشر، وبدأ الوهن يدب في جسمي، وخلال شهر رمضان 1438هـ الموافق مايو 2017م، تقرر أن أخضع لعملية غسيل كلوي، وتم ذلك في مركز مؤسسة الملك عبد الله بن عبد العزيز – رحمه الله - الخيري للكلى، الواقع بالرياض، بشارع الملك عبد العزيز، وخضعت لغسيل الكلى ثلاثة أيام في الأسبوع، وبمعدل أربع ساعات يوميا، واستمررت في ذلك لمدة زادت عن الأسبوعين، إلى أن وفق الله في تجهيز عملية زراعة كلية تبرع بها ابني سامي – جزاه الله خيرا – وتمت العملية ولله الحمد والمنة بنجاح، وانتقلت من مرحلة مريض فشل كلوي إلى زارع كلية، وانتهت كثير من المشاكل التي كنت أعاني منها.
أما عن غائيات سرد تجربة أبو حيمد، رغم معانة البطولة، وقسوة عقدة الحبكة، وانفراج مرحلة التنوير في سياق سرد هذه البطولة قال أبو حيمد: «تجربة قاسية قد يستفيد منها من يصاب بشيء من الأمراض، لذلك رأيت إعداد هذا الكتاب عنها، وحاولت فيه ألا يكون وصفا لسير المرض، وعلاجه، وإنما أدخلت العديد من المعلومات، مثل: الطرف الطبية، ومعلومات ثقافية، وحكم وأقوال المفكرين والفلاسفة، وكل ذلك ليكون ثقافيا، خفيفا على اللسان والذاكرة»؛ حيث جاءت هذه الطبعة (الثانية)، 2020م، في ست وخمسين ومئة صفحة من القطع المتوسط، التي قال عنها أبو حيمد: «هذه الطبعة الثانية من الكتاب، بعد أن نفدت الطبعة الأولى منه في (أقل من سنة)، راجيا أن تكون كل نسخة من تلك الطبعة قد وصلت إلى يد من استفاد منها». وقد تضمن الكتاب (69) موضوعا، إلى جانب (ملحق) خاص بالصور، تضمن نوعين من الصور، الأول: صور لأعضاء جسم الإنسان، والكلى تحديدا، التي تظهر مكونات الكلى برسوم توضيحية تشريحية، وصور خاصة بالمؤلف في مناسبات اجتماعية؛ حيث يعد «تجربتي مع الكلى» هو الكتاب التاسع لعبد الرحمن أبو حيمد، إذ كان إصداره الأول بعنوان: «دور التمثيل المالي في الرقابة المالية» عام 1976، ثم أصدر في العام نفسه، مذكرات عن «مراجعة حسابات الحكومة»، أما الإصدار الثالث، فرواية «نساء في مهب الريح»، عام 2004م، بينما حمل مؤلفه الرابع عنوان: «خذ التقاعد وابدأ الحياة»، 2008م، أما خامس المؤلفات فقد أصدره أبو حيمد، بعنوان: «الإدارة العامة وتطبيقاتها في المملكة العربية السعودية»، 2008م، فيما جاء الإصدار الثالث، ديوان شعري، بعنوان: «فيض الخاطر»، 2009م، ليصدر المؤلف بعد هذا الديوان عام 2012م روايته التي وسمها بعنوان: «بين حزنين»، ليصدر عام 2017م، كتاب بعنوان: «الوطن والتنمية»؛ هذا إلى جانب كتابين أصدرهما الزميل يوسف بن محمد العنيق، عن المؤلف، الأول بعنوان: «من محبرة الوطن.. أكتب لكم»، فيما حمل الآخر عنوان: «من جماز إلى الإنجاز»، الذي ضمنه توثيقا لمسيرة سعادة الأستاذ عبد الرحمن بن إبراهيم أبو حيمد العلمية والعملية والاجتماعية. ومما يطالعه القارئ من عناوين بين دفتي الكتاب، العناوين التالية: رعاية الإنسان لنفسه، ضغوط الحياة، واجب الأسرة في رعاية أفرادها، الأمراض التي يتعرض لها الإنسان، الكلى، وظائف الكلى، أعراض إصابة الكلى، خطورة أمراض الكلى، أسباب أمراض الكلى، الوقايةن أمراض الكلى، الفشل الكلوي، أسباب الفشل الكلوي، تشخيص الفشل الكلوي، علاج الفشل الكلوي، مرض الكلى المزمن، مرض الكلى والسكري، زراعة الكلية، عن نفسي أكتب، الطفولة والصبا، مرحلة الشباب، العمل والدراسة وظروف الحياة، الانتقال للحرس الوطني، الإصابة بالفشل الكلوي واكتشافه.. وصولا إلى موضوعات ما بعد زراعة الكلية.. وما تلاها من عناوين أخرى، نطالع منها على سبيل المثال: سلاح المؤمن في الدعاء، متن درة البيان في أصول الإيمان، خلق الإنسان بين الطب والقرآن.. مجنون ليلى لأحمد شوقي، أبق قويا، امبراطور المآسي، المرض والشعر، سدير وعودة سدير، الصبر على المرض.. وصولا إلى آخر عناوين الكتاب الذي وسمه المؤلف بعنوان: المتبرع سامي بن عبد الرحمن أبو حيمد.
لكل ذلك جاءت تجربة «أبو حيمد» مع الكلى مختلفة جدا، إذ دونها برؤية فيلسوف، وتجربة طبيب لا متطبب، ومداد روائي، وموسقة شاعر، وشخصية بطل، صنع من كل قصة بطلا آخر، يقف خلف كل بطل أبطال من القراء الذين سيفيدون من هذه التجربة، التي لم يدونها المؤلف بمداد كاتب، بل رسمها في لوحات تشكيلية، تتناغم في تقديم وصفة طبية، وخارطة طريق أسرية، وتوعوية اجتماعية، وطرف ثقافية، لتجربة ربما أسهمت في كل هذه السياقات بما ستشكله من (روافد) لإنجاح «سير»، آخرين مع الكلى!.