.. إنَّ للحقِّ أمَّةً
لم تبنْ دمعةٌ ولا طاب داءُ
لا ولا كلَّ جائرٌ عدَّاءُ
يشتكي الصُّبْحُ من تغَطْمُشِ صُبْحٍ
عكَّرَ المكْسُ صفْوَه والرِّياءُ
فالمساءاتُ في العروبةِ طيشٌ
والمساءاتُ نادبٌ وبكاءُ
من زمانٍ للمستغيثِ صياحٌ
والأحاسيسُ صخرةٌ صمَّاءُ
ما لطبِّ الجراحِ غيرُ جفاءٍ
من طبيبٍ تقيحُ من الدِّماءُ
ما لِردْعِ الطُّغاةِ إلاَّ رقادٌ
وهوانٌ يُضنى به الأسوياءُ
من يقلْ أين؟ فالنَّواحي جوابٌ
لسؤالٍ يضيعُ فيه النِّداءُ
من يقلْ كيف؟ فالهجومٌ لسانٌ
بلغاتٍ لمْ يشْفِها إصغاءُ
من يقلْ فيم؟ إنَّ للدِّينِ خصمٌ
له صولٌ وهالةٌ وولاءُ
وذوو الدِّين أين هم؟ قلتُ كُثْراً
إنِّما هُمْ – بحسْبِ عِلْمي – غثاءُ
أصبحوا أمَّةَ التَّحزُّبِ هاجوا
ما بوعيٍ لكنْ لشرٍّ يُشاءُ
ليكيدوا لبعضِهمْ ويسيروا
لهلاكٍ والدين منهم براءُ
فهمُ ضدَّ بعضِهمْ زعماءٌ
وهمُ ضدَّ خصمِهمْ عملاءُ
كلما أبرموا لدَحْرِ عدوٍ
جلسةً ما لهم بها أراءُ
يجمع الخصمُ شملَهمْ وهو يُملِي
نصَّ جلْساتِهمْ وهم حلفاءُ
سِرُّ نكباتِهمْ قياداتُ غدرٍ
وابتعادٌ عن ما ترى السَّمحاءُ
لو تعلَّتْ رايتُهمْ بسواءٍ
لم يُذلَّوا بما أذاعَ السَّواءُ
أو أقاموا على الشَّريعةِ سعياً
ما تمادى الطُّغيان والسُّفهاءُ
سلَّموا للهوى نفوساً فسارتْ
لمآسِيهمُ بهمْ أهواءُ
فاستغلَّ المستعمرون نفوساً
قادهمْ للونى هوىً وغباءُ
دينُهمْ منصِبٌ ومالٌ ولهوٌ
ونفاقٌ وشهوةٌ رعناءُ
يذرفُ الخيرُ حين يُتلَى كتابٌ
وقلوبٌ بما احْتَوتْه خواءُ
يأسفُ النَّصرٌ حين يُذْكرُ هديٌ
وخطاهمْ لِنَيْلِهِ شلَّاءُ
يعجبُ الانتسابُ من زهْوِ ناسِ
ما لأعمالِهم إذا تساموا انتماءُ
إنَّ للحقِّ أمَّةً ولسانٌ
يتلاشى بِبوْحِه الأدعياءُ
ولدين الإله قومٌ شدادٌ
بهمُ يفخرُ الهدى والوفاءُ
بِهِمُ يخسرُ الطغاةُ فتعلو
رايةُ الدِّينِ منهمُ والإخاءُ
عمَّروا الأرض عزةً في زمانٍ
لا سواهمْ – بدينهم- أقوياءُ
ذاع تأريخُهمْ فأصبح فخراً
به يزهو الأحفاد والأبناءُ
ليت ذاك الزمان يرجعُ كيما
يتلاشى ببأْسِه الأعداءُ
يا إلهي أرجوك عزَّاً ونصراً
ومقاماً به يعزُّ البقاءُ
ليس إلاَّك في الشدائدِ يُرجى
وبإغداقِه يفوزُ الدُّعاءُ.
** **
شعر منصور بن محمد دماس مذكور