د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
صرخة مغربية، وإن شئت، فعربية، تعالت من تضاعيف هذا الكتاب (اللسان الأسير: جراح اللغة وخدوشها)، كتبه صلاح بوسريف، ونشرته حلقة الفكر المغربي عام 2019م، في 105 صفحات، جعل في مقدمة وستة أبواب.
يقول المؤلف في مقدمته: «اللسان الأسير، أو غربة اللسان واليد. هذا ما يمكن أن نصف به واقع اللغة العربية في المغرب. فهي لغة، طالما حاربها مواطنوها، أو بعض مواطنيها، ممن ينتمون إليها بالاسم، لكنهم يحرِصون على إبادتها، بغيرها من اللهجات والألسن، التي بدت لهم أنّها هي ما يصلح للعلم والمعرفة، وأنّ العربية هي، كما يصفونها بنوع من السخرية والازدراء المضمرين، (لغة كلاسيكية) أي لغة تنتمي إلى الماضي، أو لغة وقفت في زمن انتهى، [وهو] ما يعني أنها هي أيضًا انتهت».
إن الكتاب ثري عميق التناول، متعدد جوانب المعالجة. وإن من العسير أن أزوي ستة الأبواب؛ لذا سأكتفي بذكر العنوانات الدالة على الغرض محصورة بأهلة وعلامات اقتباس.
يتبين من الباب الأول أن (الوجود باللسان)؛ لذا فإن «ازدراء العربية ازدراء للذات»، وإنما هو كذلك لأن «العربية أنا وأنا العربية»، ولا غرو فهي «اللغة التي بها نحيا» منذ كانت «اللغة هي الإنسان»، وحري بنا إذن أن نعرف «ما يشُلّ اللغة ويُعطبها».
ولعل من أشد ما يشلّ اللغة ويعطبها ما يتناوله الباب الثاني المعالج لغياب إدراك (الأفق الجمالي للغة العربية) فهو جهل بـهذا «التاريخ الجمالي للغة العربية» وهو غفلة عن «السياق الجمالي للغة العربية»، هذا وغيره مما يضافره ويُسعده معاول أسهمت في «جراح اللغة وخدوشها»، ولكن نعود إلى القول إنما «الوجود باللسان».
ولما كان الوجود باللسان بيَّنَ المؤلف في الباب الثالث (أخطر النعم) فظهر أن «اللغة أخطر النعم»، وأن «اللسان المستعار» ليس هو السبيل للتقدم بين الأمم، بل مردّ ذلك إلى «حيوية اللغة بين الإبداع والاتباع»، فإذا كان الأمر كذلك فإن «العربية لغة إبداع».
ولغتنا لغة إبداع لأنا نجد في الباب الرابع أن (العربية لغة بشرية) فهي لغة ثرية بإنتاجها الإبداعي والفكري، وهو ما عبّر عنه المؤلف بقوله «مواطن الماء في اللغة». وهذا الثراء هو ما جعل «العربية لغة بشرية» نابضة بالحياة؛ فـ»العربية ليست لغة ميتة» كما يدعي قوم، و»العربية ليست لغة كلاسيكية» كما يتوهم آخرون. ومعنى ذلك أن «العربية ليست لغة منكوبة»، ولكنها ستكون منكوبة إن أفرغت من معناها كما في الفصل الخامس (لسان بدون لسان)، فما في اللغة التراثية من تعدد الرؤى واختلاف الأقوال ليس من قبيل «انشقاقات اللغة وتصدعاتها»، وما شجر من جدل حول العامية هو جهل بها؛ لأن «العامية أرقى مما تظنون» ففيها من ألوان الإبداع ما يمكن أن يضاف إلى الفصيحة التي يجب أن تكون لغة التعليم حتى لا يكون لدينا «لسان بدون لسان»؛ لأنا إن استبدلنا بها غيرها فكتبنا بالفرنسية أو الإنجليزية وعلّمنا بهما أو بإحداهما أفضينا إلى «غربة اليد واللسان».
وهذه الغربة مطلب (أعداء العربية)، وهذا سادس أبواب الكتاب، وفيه حديث عن «مأزق العربية بين التأصيل والاستئصال» حيث يعرض المؤلف في هذا الإطار موقفين متطرفين: «موقف الآتين إلى اللغة من خارجها، أي من ألسنة أخرى، هي في نظرهم لغة العلم والمعرفة، ولغة التطور والحداثة. وموقف المقيمين في ماضٍ، ليس بالضرورة ماضي اللغة». فهؤلاء «يربطون تاريخ المعرفة عند العرب، وتاريخ لغتهم، بالدين، أي بمجيء الإسلام، وما قبله ليس سوى هباء». فمن هم «أعداء العربية»؟ يقول المؤلف: «هم أشخاص لا يعرفون العربية، ولا علاقة لهم بها، كما لا يعرفون حتى العامية، التي هي لغة الشعب، وهم لم يخرجوا من هذا الشعب، ولم يعيشوا معه؛ لأنهم كانوا يعيشون خارج الوطن، لغة، وفكرًا، وثقافة، وتعليمًا؛ وهذا من الأمور التي تجعلهم يدعون لتعليم أبناء المغاربة كل اللغات، إلا العربية، التي اعتقدوا أو توهموا أنها لغة ثانوية، أو لغة ميّتة، كما يتصورونها». ولا بد لنا «على سبيل التوطئة» إن أردنا الإصلاح أن نحاول أن نجيب عن هذا السؤال المستحق «من نكون»؟.
كتاب جدير بالقراءة.