أصدرت وزارة التعليم في المملكة العربية السعودية -مؤخراً- دليلاً خاصاً للنماذج التشغيلية المحتملة للعام الدراسي الجديد بنظام التصنيف حسب ثلاثة نطاقات مستفيدة من تجارب دول عدة، كما تناقلت بعض الحسابات المهتمة بالشأن التربوي أن الوزارة قد تتجه لمشورة أولياء الأمور حول عودة أبنائهم لمقاعد الدراسة، والوزارة لديها قاعدة بيانات جاهزة للتواصل مع أولياء الأمور من خلال نظام (نور) تدعم هذا التوجه، وبما أن الوزارة ضمّنت الدليل بتجارب الدول، فإن تجربة الولايات المتحدة الأمريكية التي أعيشها حالياً جديرة بالاستفادة منها.
في معظم مدارس الولايات تلقّى أولياء الأمور بريداً إلكترونياً مضمونه أن يقرر ولي الأمر شخصياً إن كان يرغب بعودة أبنائه لمقاعد الدراسة أو يفضّل أن يدرسوا الفصل القادم عن بُعد بنفس الأساليب المعتمدة والمنصات المتوافرة التي تم إنهاء العام الدراسي الماضي من خلالها.
فقد تم إقرار اختيار ولي الأمر لطالب المرحلة الابتدائية والمتوسطة بين حضور أبنائه الكلي للمدرسة (in person)، أو التعلم الكلي عن بُعد (online). أما المرحلة الثانوية فقد خُيّر أولياء الأمور بين ثلاثة خيارات: حضور كامل (in person)، أو عن بُعد (online) أو نظام (Hybrid Schedule) والذي يعتمد على التعلم المدمج حضوراً وعن بُعد بالتناوب يوماً بعد يوم، مع التأكيد أن حضورهم للمدرسة سيكون مع احترازات عالية المستوى واحتياطات مشددة وقرارات إدارية خاصة بالمرحلة الحالية.
وقد تضمّنت الاحتياطات -إلى جانب التباعد الاجتماعي ولبس الكمامات وغسل اليدين باستمرار وتوفير المعقمات في جميع الفصول والمرافق- ضرورة تعاون ولي الأمر وإبلاغه لإدارة المدرسة بأي أعراض تظهر على أبنائه من خلال الفحص الذاتي اليومي، والتسهيل لولي الأمر في الاطمئنان على أبنائه حال الشك في الأعراض، وتم تصنيف حضور الطلاب من خلال بوابات متعددة، سواء من يحضر بالحافلات المدرسية أو بسيارة خاصة أو سيراً على الأقدام، ومنع دخول أولياء الأمور والزوار للمدارس تماماً، مع توفير خدمة التواصل المرئي إلى جانب الهاتفي، وتعقيم مرافق الخدمات مرة كل ساعة، وتجهيز وجبات الغداء للطلبة داخل فصولهم في المرحلة الابتدائية، أما المتوسطة والثانوية فسيتم وضع فترات متعددة لتناول وجبة الغداء؛ تجنباً للتجمعات الطلابية الكبيرة، وسيتاح للطلاب الخروج للساحات الخارجية إن رغبوا ذلك، كما تم التوجيه بالتقليل من الاستخدام الورقي وتداوله بقدر المستطاع، بما في ذلك المكتبة المدرسية، بالإضافة إلى ذلك تم تجهيز عيادة خاصة لمن يشتبه به الإصابة بالفيروس معزولة عن العيادة العامة للمدرسة.
لم تكن تلك الخطوات لتخويف أولياء الأمور من حضور أبنائهم للمدارس، بل لإيمانهم بأن الشراكة مع الأسرة في مثل هذه القرارات وهذه الظروف الاستثنائية تُقرّب وجهات النظر وتساهم في دعم الطلبة دراسياً، وتزيد الانتماء لديهم للمؤسسة التعليمية، كما أن حكومات الولايات تعمل كمنظومة واحدة بشكل تكاملي غير منفصل، فالقائمون على النظام التعليمي لا يسعون إلى نجاح إدارتهم للتعليم منعزلاً عن الأنظمة الأخرى، فلا جدوى من نجاح للنظام التعليمي مع انهيار النظام الصحي، حينها يصعب تدارك الوضع ولا يمكن العودة لحياة طبيعية آمنة قريبة.
من خلال هذه التجربة فإنه في حال أقرت وزارة التعليم في المملكة العودة حسب النطاقات بحضور الطلاب فإن هناك عدة أسئلة يجب طرحها:
أولها: الإجراءات والاحتياطات الخاصة التي ستقوم بها المدارس لحماية الطلاب فلا بد أن تكون الاحترازات نوعية، مع ضرورة إعلانها للتمشي بموجبها.
ثانيها: في حال إصابة طالب بالفيروس -لا سمح الله- فما هي الإجراءات المتّبعة في ذلك؟ ولو كان المصاب طفلاً في المرحلة الابتدائية، هل سيتم إصدار تعميم ينظم مسألة القيام على شؤونه لوالديه أو أحدهما خلال فترة إصابته إن كانا ملتزمين بعمل رسمي؟ فالطفل يحتاج مرافقة سواء في المستشفى أو المنزل، وبالطبع سيحتاج الوالدان إجازة رسمية.
ثالثها: إن ثبتت إصابة طالب هل سيتم الكشف على بقية الطلاب في المدرسة أو على الأقل في صفه الدراسي؟
وهل سيشمل ذلك معلمي المدرسة وأسرة الطالب وكل من خالطهم؟ وهل تعليق الدراسة في ذات المدرسة من صلاحيات قائد المدرسة أم سينتظر قراراً من جهة عليا؟
كل هذه الأمور يجب تقنينها واستصدار تعميم مرفق بدليل يوضح الإجراءات كافة التي يجب على القيادة المدرسية ومكاتب التعليم القيام بها، لئلا يكون هناك تباين في القرارات المتخذة.
شخصياً أرى أن العودة من خلال الحضور للمدارس في المملكة ولو على نطاق أخضر كما أُعلن، قد يؤدي إلى تفشي أكبر للمرض وانتقال العدوى، خاصة في المرحلة الابتدائية التي لا يُحسن فيها الطفل الوعي التام طيلة فترة اليوم الدراسي للاحتياطات كافة الواجبة عليه لحماية نفسه وحماية زملائه، كما أن الانتشار للفيروس مع تفاقم الحالات سيؤدي إلى الضغط على المرافق الصحية، لذلك قد يكون القرار السليم -حالياً- بعد مشورة أولياء الأمور ومعرفة آرائهم حول عودة أبنائهم، دعم الاستمرار في التعليم عن بُعد للفصل الدراسي الأول، من خلال المنصات المعتمدة، مع ضرورة متابعة المعلمين والمعلمات لطلابهم وطالباتهم في نفس توقيت الدوام الرسمي، وشرح الدروس بما يتوافق مع المرحلة، وإعطاء المهام والتكاليف اليومية ومتابعتها ودعم الاختبارات الإلكترونية، مع التنسيق لحضور جزئي لطلاب الصف الثالث ثانوي تناوباً بالأيام للمواد العملية التي تستوجب الحضور، مع تقييم دوري للوضع بالتنسيق مع وزارة الصحة.
ومع نهاية الفصل الأول أو خلاله ستتضح الرؤية تجاه أعداد الحالات على مستوى المملكة، بالإضافة إلى أنه وخلال هذه الفترة قد يُهيأ -بإذن الله- علاج ومصل للفيروس ويتم توفيره للجميع.
هذا المقترح يستند على قدرة كبرى أظهرتها وزارة التعليم بدعم ومتابعة معالي الوزير، والتي وفرت منصات وقنوات تعليمية في وقت وجيز لضمان استمرار العملية التعليمية، ومع النجاح السابق الذي حُقِق والتعرف على أبرز المشكلات التي واجهتهم خلال تلك المرحلة، فإن نجاح التعليم عن بُعد لفصل دراسي واحد مضمون -بعد توفيق الله- بالاستفادة من تلك التجربة، فقد أصبح لدى الوزارة أساس متين يدعمه بإخلاص المسؤولون والقائمون على العملية التعليمية في الميدان التربوي.
** **
د. عبدالرحمن الغامدي - الولايات المتحدة