إعداد - خالد حامد:
يعيش العالم حاليا حالة اضطراب شديد بسبب جائحة كورونا التي ضربت العديد من الدول. ولكن كيف ستبدو ملامح هذا العالم الجديد؟
سأحاول في هذه المساحة أن أورد بعض التغييرات التي قد نراها مستقبلا.
أول شيء علينا إدراكه هو أنه، من بين التغييرات التي نشهدها الآن، سيكون الكثير منها بصورة دائمة بنفس الطريقة التي غيرت بها أحداث 11 سبتمبر العالم حيث لم تكن هناك ضوابط أمنية مشددة في المطارات قبل أحداث 11 سبتمبر وكان التنقل بين الدول يتم بيسر وسهولة قبل ذلك.
لذا ستكون المجتمعات بعد جائحة كورونا مختلفة، وتشديد إجراءات السفر سيصبح الملمح الأبرز في هذا المجال.
أهم تغيير أحدثه فيروس كورونا في العالم هو تسريع عملية (الرقمنة).
قبل عشرين سنة لم يكن لدى معظم الناس هواتف ذكية، ولكن بعد عشر سنوات أو أكثر بقليل من الآن لن نحمل معنا هواتف ذكية بل ستكون تلك الهواتف مدمجة بطريقة ما. انتشار الذكاء الاصطناعي وتقنية النانو سيضعنا في عالم مختلف جدًا، وسنتساءل عما يحدث.
بعد عشر سنوات من الآن، ستنمو الغابات مع اختفاء الورق، وسيزداد الاعتماد على الطاقة المتجددة التي نأمل أن تشمل الطاقة النووية والمركبات الكهربائية، مما يعني أن الهواء النظيف الذي نشهده اليوم سيصبح حقيقة مستدامة أكثر. ستكون جميع الأنشطة تقريبًا رقمية، وهذا يشمل المال، وستكون البنوك واحدة من النشاطات التي ستكون في أمس الحاجة إلى التغيير، وسيتم عرض النقود الورقية والشيكات في المتاحف. المكاتب الفرعية للبنوك ستكون قليلة وجميع المعاملات المالية ستتم عبر الإنترنت، وسيكون هناك استخدام أكثر شيوعا للخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول والمعاملات عبر الإنترنت. وسيكون هناك عدد أقل من البنوك الكبيرة التي ستكون متعددة الجنسيات وستستوعب البنوك المحلية.
فيما يتعلق بالأزمة المالية الحالية، فإن جيمس جالبريث، الاقتصادي الأمريكي، لديه نقطة جديرة بالتوقف عندما يقول إن الكثير من ديون الناس لا يمكن تسديدها، ولا يجب ذلك. لم يكن ذنب المدين أنه لم يستطع تلبية رهنه العقاري بسبب طرده من العمل من دون أي خطأ من جانبه. سوف تنشأ ثورة اجتماعية إذا حاولت البنوك مطالبة المدين بتسديد رهنه العقاري، وعندها سيتعين على الحكومات التدخل لدفع تلك الديون.
بعد الحرب العالمية الثانية، تم شطب ديون الحرب. قد يكون ذلك ضروريًا الآن أيضًا. لا يمكن للناس أن يفقدوا منازلهم بسبب جائحة كورونا.
قد يكون هذا تفكيرًا حالما، ولكن يمكننا أن نرى تراجعا في تأثير السياسيين وصعود الخبراء الحقيقيين ليحلوا محلهم حيث أظهرت جائحة كورونا جهل الكثير من السياسيين في جميع أنحاء العالم، مقابل حكمة خبراء الصحة. ويمكن أن يمتد ذلك التوجه إلى مجالات أخرى مثل الاحتباس الحراري الذي هو أمر بالغ الأهمية حيث يجب الاستماع إلى الخبراء، وتجاهل ما يقوله السياسيون، وإلا سنغرق جميعًا عندما يرتفع منسوب المحيطات وتزداد سخونة الأرض إلى مستويات غير قياسية وغير مسبوقة.
ستكون الخصوصية الشخصية أقل مما هي عليه بالفعل الآن. ستقوم الحكومات بمراقبة الناس في كل مكان يذهبون إليه. وفي بعض الأحيان قد تتدخل الحكومات في ما تقوله أيضًا. التفكير قد يكون محميًا في الوقت الحالي. لكنني لن أفاجأ إذا تعلمنا قراءة أدمغة الناس. (الأخ الأكبر) سيكون على بعد خطوة واحدة منك. فقط تأخرت نبوءة رواية أورويل (1984).
سنحتاج إلى جمهور أكثر نشاطًا لمقاومة حدوث ذلك. لننظر إلى رعب السفر الجوي اليوم. عندما يفكر الشخص في السفر يفاجأ بفحص أمني، يليه فحص أمني، ثم في الغالب يتبعه فحص أمني آخر قبل وصوله إلى الطائرة. في الأيام الخوالي كان السفر يتم بيسر وسهولة، تتحرك من السيارة إلى مكتب الطيران ثم إلى الطائرة مباشرة دون عوائق. كان السفر تجربة ممتعة حقا. اليوم السفر أصبح مشقة. أضف إليه الآن ضرورة حصول المسافر على فحوصات طبية تثبت خلوه من فيروس كورونا، والانتظار في طوابير طويلة لفحص حرارة الركاب.
الساعتان اللتان كانت مطلوبة لحضور الراكب قبل الرحلة ستصبح ثلاث أو أربع ساعات في الوقت الحالي.
لقد جلب فيروس كورونا معه عقلية حمائية بين العديدين مثل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي إذا فاز بولاية ثانية، سوف يؤدي ذلك إلى تراجع الولايات المتحدة بسرعة إلى فترة من الغموض النسبي يقابلها صعود الصين عالميا وهيمنتها على الكثير من مفاتيح إدارة عمل العالم. أما أوروبا فقد بدأت تفقد بالفعل قبضتها على محيطها، وستتعرض الديمقراطية على النمط الغربي للخطر. وسيتم تشديد الحدود على سفر الأشخاص لسنوات قادمة. وسيزداد رفض قبول المهاجرين، مما سيؤدي إلى زيادة الاضطرابات الاجتماعية في العديد من الأماكن.
سيصبح العالم أكثر عزلة وأقل عولمة. ستكون هناك خطوات لتصنيع المزيد من البضائع داخل الدول. سيؤدي انقطاع سلاسل التوريد بسبب الجائحة إلى إعادة التفكير في عملية التصنيع برمتها. قد يكون هذا التطور فرصة لعودة بعض المصانع التي خرجت من الصين.
وفيما يتعلق بمحاولة ترامب لعزل الولايات المتحدة عن الصين لا يمكن أن تنجح لأن فروقات تكلفة التصنيع بين البلدين لاتزال مرتفعة للغاية، حيث تصل زيادتها في بعض السلع إلى 10 أضعاف. ستتحدى شركة أبل هذا وستظل تصنع هواتفها في الصين، ولكنها ستحول بعض الإنتاج إلى مكان آخر. لم يعد وضع «كل البيض في سلة واحدة» خيارًا مناسبا.
من جانب آخر، سيكون التعلم عن بعد جزءًا جوهريا في جميع المدارس، وستكون هناك مرونة في كيفية تعلم الناس. و»الناس» المقصودين هنا ليسوا الشباب فحسب، بل الجميع. مع تغير العالم بسرعة أكبر، ستكون هناك حاجة إلى مهارات جديدة لجميع الأعمار.
سوف يتعلم الشباب بطريقة مختلفة وبمنهج مختلف، وسيكونون أكثر توجهاً نحو عالم سريع التغير. سيصبح هناك حاجة إلى أن يكون الشخص مؤهلاً في مهارة معينة لفترة محدودة. ولكن ستكون هناك حاجة لتعلم مهارة أخرى بناءً على الكفاءة العامة للشخص.
ستكون المرونة هي الكلمة الرئيسية. لن يقوم المعلمون بالتدريس في المدارس وسيكون دورهم القيام بتوجيه للطلاب عبر شبكة الانترنت في سعيهم الموجه ذاتيًا إلى المعرفة.
سيؤدي الارتقاء بقدرة النظام الصحي على إجراء الخدمات الصحية عن بعد ليس فقط إلى توسيع نطاق الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية، ولكن أيضا إلى منع الأشخاص من التكدس في المرافق الصحية حيث يصبحون عرضة للإصابة بالفيروسات والأمراض الأخرى. وستكون هناك حاجة متزايدة لحماية خصوصية المريض.
وستحتاج الدول إلى الاستثمار في تدابير الأمن السيبراني لضمان عدم التلاعب بالبيانات أو اختراقها حيث يعد الأمن السيبراني صناعة جديدة تمامًا ستزداد تعقيدًا مع اكتشاف الهاكرز حيلًا أكثر خبثا لاختراق الشبكات والمواقع الإلكترونية.
الخوف الأكبر في النظام العالمي الجديد سيكون من فقدان الوظائف حيث ستتولى الروبوتات العمل في مصنع تلو المصنع. فماذا سيحدث الآن لأولئك الأشخاص الذين كانوا يقومون بأعمال الروبوتات؟
لقد دفع الوباء الحالي الحكومات في جميع أنحاء العالم إلى إعادة الاهتمام بتشغيل القطاع الزراعي من خلال إعادة تركيز السياسات والبرامج والمشاريع للتكيف مع التغييرات التي أحدثتها جائحة كورونا. يمكن للعديد من العاطلين عن العمل الانتقال إلى مجال الزراعة حيث زادت الحاجة إلى المزارعين مما سيجعل زراعة المحاصيل وصيد الأسماك مربحة بما يكفي.
ستكون هناك حاجة إلى مزيد من التكنولوجيا وقوة بشرية أقل حيث يحدث التحول إلى المزيد من الميكنة لتحسين الإنتاجية، مثل مراقبة المحاصيل عن طريق الطائرات بدون طيار باستخدام خوارزميات أفضل من العين المجردة لرؤية الإصابة بالآفات والأمراض الأخرى. وستقوم الجرارات ذات التقنية العالية بحرث الحقول بكفاءة أكبر؛ وبعضها يمكنه حصاد عشرات المحاصيل في وقت واحد وقطف 5 حبات من الفراولة في الثانية.
سيكون هناك استخدام كبير للتكنولوجيا الرقمية لربط المنتجين بالمستهلكين من خلال التجارة الإلكترونية. سيؤدي ذلك إلى عدد أقل من الوسطاء في سلاسل المواد الغذائية وهو بالتأكيد سيكون تطورا مرحبا به.
** **
* بيتر والاس هو كاتب زاوية يومية ورئيس (منتدى والاس الاقتصادي) - عن (إنكوايرار) الفلبينية