د. عبد الملك بن إبراهيم الجندل
«عاهدتُ الله ألا آخذ قرشاً واحداً من فقير أو معدم، وسأبقى في عيادتي أساعد الفقراء إلى أن يتوفاني الله» محمد مشالي.
ودعنا قبل أيام الطبيب المصري (محمد مشالي) عن عمر يناهز السادسة والسبعين عاماً، ذلك الطبيب الذي نذر نفسه لخدمة المرضى الفقراء، حتى أطلق عليه (طبيب الغلابة)، وكانت أجرة الكشف لديه خمسة عشر جنيهاً، أي ما يعادل ثلاثة ريالات تقريباً، ويرفض أخذ الأجرة من الفقراء، بل وقد يشتري لهم العلاج على نفقته الخاصة.
ذلك الطبيب الذي استمع وطبق نصيحة والده الذي أوصاه بالفقراء، وهو على فراش الموت: «يا بني من جاءك لا يملك نقوداً فعالجه ولا ترده».
ويحكي الطبيب قصة أثرت في حياته رحمه الله، وأنه كلما تذكرها بكى:
أن طفلاً فقيراً في الحادية عشر من عمره مصاب بداء السكري، طلب من والدته (حقنة أنسولين) بعد أن شعر بالتعب وجف ريقه، فأجابته والدته: لو اشتريت لك (الأنسولين) فلن يتناول إخوانك عشاءهم، فمن أين لي بالنقود؟
وخلال برنامج (غيث) التلفزيوني عرض عليه تجهيز عيادة كاملة، مع هدية مالية، ولكنه رفضها رفضاً قاطعاً، وبإجابة فورية: إذا كنت ستتبرع فهناك جمعيات خيرية أو مؤسسة الملاجئ، اذهب وتبرع بها، وسأبقى في عيادتي في هذا الحي الشعبي أخدم الفقراء، إلى أن يتوفاني الله، فأنا أتقرب إلى الله بعمل الخير.
ومن مقولات هذا الطبيب رحمه الله:
- اكتشفت بعد تخرجي أن أبي ضحى بتكاليف علاجه، ليجعل مني طبيباً، فعاهدت الله ألا آخذ قرشاً واحداً من فقير أو معدوم.
- ذقت الفقر وكافحت كفاحاً مريراً لتربية إخواني وأولاد أخي، وأولادي.
- لا أحتاج إلى سيارة (عشرة أمتار) ولا ملابس غالية الثمن، فقط أحتاج إلى القراءة، والعمل في العيادة.
- فطيرة (ساندوتش) طعمية، أو فول يكفيني.
- أنا متعاطف مع الفقراء، فقد غرس الله فيّ حب الفقراء، وكذلك والدي رحمه الله.
- لا أحب الظهور في الإعلام، وتعلمت من أساتذتي: أن نبقى جنوداً مجهولين، وتعاملنا مع الله، ولا نحب الإعلام ولا الشهرة ولا الدعاية.
توفي هذا الطبيب في الأيام العشر المباركة من شهر ذي الحجة 1441هـ، وساق الله له الدعوات، والناس شهود الله في أرضه، فقد نعاه القريب والبعيد، وعلى مستوى العالم العربي، عبر وكالات الأنباء، وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي، فرحمه الله، وغفر له.
ختاماً... رسالتي إلى من التحق في مهنة الطب، ليس لزاماً أن تكون مثل محمد مشالي رحمه الله، ولكن تستطيع أن تحقق طموحك وأحلامك وأمنياتك، مع مراعاة لظروف المرضى المحتاجين لك، وليكن مناراً ينير طريقك قوله سبحانه وتعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}.