د.م.علي بن محمد القحطاني
تعود الإنسان واعتاد البشر ربط الكوارث بالدمار والخراب المادي في المباني والطرقات والسدود والغابات وكل ما يمس البنى التحتية والذي تقع تداعياتها دفعة واحدة وأضرارها محصورة في منطقة جغرافية محدودة مما يبرز حجم الأضرار وفداحة الخسائر، كما أن من تعريفات الكوارث خلل سريع ومفاجئ يؤثر على النظام السائد سواء كان نظام الطبيعة أو نظام تحالفات أو نظام دول وصولاً للمؤسسات والشركات بل وحتى الأفراد وينتج عنه خسائر كبيرة في الأرواح والأموال والممتلكات الخاصة والعامة مثل مشاريع البنية التحتية الحيوية والتنموية والصناعية والخدمية والاقتصادية (الخسائر المباشرة) ولكن الكوارث البيولوجية ومنها كوفيد - 19 تنفرد بخاصية الدمار المنتشر في جميع الاتجاهات ويتجاوز كافة الحدود الجغرافية والديمغرافية فهو في مظهره ناعم الملمس ولكن في طياته السم الزعاف فيدمر صحة الإنسان الجسدية والنفسية وقد تؤدي به للوفاة وتلحق أضرارًا تابعة بنفسيات المجتمعات وسلوكياته ويتعداها لاقتصادها وبتعود الإنسان عليها ولتدرج هذه الآثار والأضرار لا يدرك الكثير حجمها الحقيقي فالأنفس البشرية لا تقدر بثمن، كما أن تكاليفها المادية باهظة من تدمير للبنى الصحية وشلل للأنظمة الطبية القائمة هذا فيما يتعلق بالوباء مباشرة فما بالك بالآثار الاقتصادية التي لحقت بالعالم أجمع إذا تغافلنا عن الآثار غير الملموسة حالياً وقد تظهر في المستقبل حيث تسبب انتشار الفيروس في إعاقة حركة التجارة العالمية، وضعف الطلب العالمي لا سيما الطلب على النفط، وإصابة قطاعات اقتصادية وإنتاجية بالشلل التام. كما أدت سرعة انتشار الوباء وانتقاله بين الدول إلى ارتفاع مستويات اللايقين وتدني مستويات الثقة؛ مما تسبب في انهيار العديد من الأسواق المالية العالمية الرئيسية وتراجع مؤشراتها لمستويات قياسية. فكوارث الأوبئة لا تفرق بين البشر والدول ولا يوجد فيها أحلاف ومحاور، فكورونا المستجد كارثة «ناعمة «بدون استخدام أسلحة ذكية أو تقليدية أو حتى نووية.
وإن أغلب ضحايا الأوبئة «كوفيد 19» يقعون ويتزايدون بنيران صديقة لأن انتقال العدوى غالباً من الأقارب الابن الأب البنت الأم والأرحام الأصدقاء والزملاء والجيران.
ففي ظل طول الفترة بدأ التراخي والملل من اتباع الإرشادات التي حددتها وزارة الصحة والالتزام بالإجراءات الوقائية مثل التمشي بقواعد التباعد الاجتماعي ولبس الكمامات والقفازات والابتعاد عن الأماكن المزدحمة والمغلقة وعدم المصافحة والمواظبة على غسل اليدين بالصابون. ولا نقسوا على المجتمع فالأغلبية كانت ملتزمة ولكن قد يكون لإجراءاتنا تأثير في ذلك أيضاً. فعلينا مراجعتها وكل ما ذكر قد يفسر ارتفاع أعداد المصابين النسبي في تلك الفترة وتوزعها بين أغلب مناطق المملكة ويؤكد على أهمية التعايش مع الكوارث أياً كان نوعها بالالتزام التام بالإجراءات الوقائية بقناعة واقتناع ويقين بأن تلك الإجراءات مهما كانت قسوتها في حينه ليست عقوبة بل حماية.
ونعول الكثير على دور الأسرة بتربية أبنائنا وتعويدهم على احترام النظام بكافة مناشطهم وفي جميع الأوقات فمن باب أولى أوقات الكوارث بنشر ثقافة إدارة الكوارث والاستعداد لحدوثها والاستجابة للحد من أضرارها.
ومن ثمة دور المدارس من خلال إعداد مقررات سهلة وبأسلوب يخاطب كل مرحلة عمرية لغرس هذه الثقافة في نفوس الطلاب منذ الصغر واجراء التجارب الافتراضية بشكل محبب لأنفسهم لتكون أكثر جذباً لهم واستحداث برامج دراسات عليا لهذا التخصص في جامعاتنا وإخضاع القيادات ومدراء الإدارات في كل وزارة وقطاع لدورات من ضمن برامج التدريب على رأس العمل لنشر ثقافة إدارة الكوارث والاستعداد لحدوثها والاستجابة للحد من آثارها وأضرارها.
فما يهمنا اليوم هو البناء لغدٍ نتمكّن فيه من الأخذ بزمام المبادرة، بإدراكنا أهمية «علم الأزمات والكوارث»، لرسم مستقبل مشرق بإذن الله ووضع النقاط على حروف الواقع لنستلهم منها ما ينفع استراتيجيتنا لمستقبل أفضل ندعمها بلا حدود، ونتابع أدق تفاصيلها والأهم نُسرّع من خط سير الفكرة حتى تبلغ منتهاها وتحقق المراد.
فلكي نتمكن من إدارة الكوارث بنجاح، علينا أولاً أن نتحصّن بعلمها، لأن العلم بالشيء أجدى وأكثر إيجابية من التعامل مع واقع طارئ وردود الأفعال وفي علم الكوارث والأزمات تسمى الاستجابة للكارثة فمن أساسيات إدارة الكوارث تحديد الأخطار المحتملة ووضع كل السيناريوهات المتوقعة والاستراتيجيات المواتية، وخطط المواجهة بمستويات عالية الشدة، جنباً إلى جنب مع توقع الآثار والنتائج، ووضع الحلول والخطط العلاجية لتداعياتها. لإعداد دراسة مسبقة، وتخطيط مستدام حتى لا تفاجئنا الكوارث أو تتكرر نفس الكارثة فتستنزف الجهود والمقدرات. وكل ما ذكر من الأدوار المأمولة والمناطة بالأمانة العامة لمجلس المخاطر الوطنية.