شريفة الشملان
الأمور تنقلب كطيارة ورقية من فوق لتحت ومن أقصي اليمين لأقصى الشمال. جيلنا الذي تذبذبت به الأوضاع كثيرًا، يثبت مرات ويتعلق مرات، وتدور به الأحداث مرة أخرى.
جيلنا الذي عاصر المصيبة الكبرى في 67 وكاد يفقد الأمل في كل ما حوله وأهم ذلك العزة العربية. جيلنا عاصر التغيرات الكبيرة فيما حوله وتابع الإذاعات وركض خلف التحليلات، ثم خضها ولم يجد هناك زبدة منها فرماها وراح يكوِّن له رأيه الخاص.
جيلنا وجد نفسه بين المطرقة والسندان. ما بين أفكاره وتطلعاته ورغبته في التأثير والتغير وما بين موج كبير للرأي الواحد الفكر الواحد. ما بين تكسير للتلفزيونات وما بين من يطل عليك منها ليقول لك كن، ولا تكن.
شكات تأتي وشكات تمضي على عقولنا، نحن الذين تربينا بطريقة أجدادنا تربيتنا محصورة بين البيت والمدرسة والجيران. وجدنا أنفسنا في بحر متلاطم من علم لكي نغرف منه ومن جهل لا ندري كيف نتعامل معه أو نبعد أنفسنا عنه، صديقة لي قالت ذات يوم بدأت (أشك في نفسي وأيماني).
نعلم إن التغيير حق للشعوب ومواكبة ما يجري حولنا لابد منه، وأن الحضارات تؤثر بعضها ببعض فهي كالأواني المستطرقة، الذي حدث أن الصوت العالي والتشكيك صار يسد المنافذ عن التأثير الحسن.
المشكلة لم تعد في الصوت العام ولكنها طالت المؤسسات العلمية والثقافية، فلا صوت يعلو فوق صوت التجهيل. ولنا أن نشكر الله كثيرًا على استمرار كليات العلوم التطبيقية والطب وعلومه. وتكمكمنا أكثر ليس فقط في العباية وما إليها لكن في الفكر، وكان الشك عنصرًا رسميًا تمارسه هيئات رسمية (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) أنموذجًا. وليس من رجل ولا امرأة إلا وناله بعض الشك حتى إثبات العكس، أصبح ذلك حكايات للمجالس وبعض التنكيت.
جاءت حادثة قيادة النساء للسيارات كحدث رج عرش هؤلاء، ففتحت الأفوه على مصراعيها. وكل يسب ويشتم ويؤلف قصصًا وحكايات، ومرت الأزمة وهضمت حق ومنعن من ممارسة أعمالهن، وبقي حقهن حتى اللحظة لم يؤخذ كما ينبغي..
جاء التغير الكبير في ليلة ووجدنا أنفسنا في وضع جديد وعالم جديد، وأمام ذلك تفتحت العقول أكثر وواكبنا التطور ومثل ما يقال حاليًا ببعض الحذر نراقب ونأمل أكثر وما زال جيلنا يأمل أكثر لكنه جيل وجل.
قبل عشرين عامًا كتبت مقالاًَ بسيطًا اسمه (أمية) خفيفًا، يتناول التفاوت بين الأجيال وعدم قناعة أجيال الشيوخ بما يجري، تحدثت عن التطور العلمي حتى آن ذاك.
كانت الجريدة تضع مكانًا للتعليقات، أتذكر أنه انهالت عليَّ تعليقات كثيرة أخرجت المقال عن سياقة، بل ناقشت عن مقالات مضت، بعضها ثوابت علمية، والأدهى أنها راحت للعباءة التي كانت على الكتف، وحُمِّل المقال البسيط جدًا أكثر مما يحتمل..
تركض بنا العلوم والتقنية السريعة، الإنترنت صار يستنزف أفكارنا قبل أن نضع أصابعنا على الجهاز لنكتب قصة أو مقالاً، بمعنى نفرغ الشحنات سريعًا.
نحن جيل نكره الحروب كثيرًا ونمقتها لأننا عاصرنا حروبًا كثيرة، لا أحد منتصر في الحروب، ولذا نحن على وجل دائم وخوف من أن تسرق الحروب آمال الشباب والتعليم ولقمة العيش، لا منتصر في الحروب، وقف بوش على بارجة حربية ليعلن انتصاره على العراق، ولكن ما زال جنده يعانون من أمراض نفسية واجتماعية وبعض من تأثير اليورانيوم. ولا زالت حربهم مع فيتنام تجلب العار لهم.
ما زال جيلنا الذي كسر الكثير من القواعد ليتعلم يركض لاهثًا حول العلم والمواكبة، تطول أعناقنا بما يقوم به الشباب من علم وتقنية تنشر أبحاثهم أكبر المواقع، نحارب جهدنا أمية نخاف أن تتغلغل في داخلنا ونخشى كثيرًا أن يصمت صوت العاطفة فينا.
بارك الله في شبابنا وعصمهم من كل شر وضر، وأسكت صوت المدافع وارتفع صوت العلم والتجديد.
شكرًا لإتمام قراءة المقال لمن أراد الرجوع لمقال (أمية)
(http://www.alriyadh.com/33650)