د.ثمامة فيصل
قال بطل الحرية لجمهورية الهند ورمز اللا عنف على مستوى العالم الزعيم الهندي المعروف غاندي فيما قال: يمكن تقدير عظمة الشعوب وتثمين تقدمها الأخلاقي بمدى احترامها للحيوانات. هذا وقد نادت كل الديانات وكثير من المنظمات والحركات العالمية بحفظ حقوق الحيوانات وحمايتها من الهلاك والانقراض؛ لكونها ذواتَ أرواح وحواس ولأنها لها أيضاً حق للعيش بالأمن والسلامة في هذه المعمورة. ومن تلك المبادرات الجادة لحفظ الثروة الحيوانية الاحتفاءُ باليوم العالمي للنمور في التاسع والعشرين من يوليو من كل سنة انطلاقاً من عام 2010م.
والنمور التي يُنظر إليها منذ القدم كرمز للقوة والحيوية والجرأة والشجاعة تُعد اليوم من الحيوانات المهدَّدة بالانقراض لِما نالت أعضاؤها المختلفة أهمية تجارية في الأسواق العالمية؛ بحيث إن جلدها يستخدم لتزيين البيوت وعظامها تستهلك في صنع بعض الأدوية. وتشير التحقيقات إلى تقلّص عدد النمور في العالم بنسبة 95 في المائة خلال مدة قرن منذ مطلع القرن العشرين بسبب كثرة اصطيادها وشيوع تجارة أعضائها.
والهم المتزايد تجاه الوضع المتدهور لهذه «القطط الكبيرة» حث بعض الناشطين في روسيا على جمع الدول التي تحتضن النمور على منصة واحدة في نوفمبر عام 2010م، سعياً إلى وضع خطة عالمية خاصة لحفظ النمور من الانقراض ونشر الوعي حول أهميتها، وبالتالي تقرّر الاحتفاء باليوم العالمي للنمور في 29 يوليو من كل سنة، واعتزمت الدول المشاركة في القمة السعيَ إلى مضاعفة عدد النمور في العالم بحلول عام 2022م؛ ليبلغ عددها ستة آلاف نمر.
ومع أن عدة دول في العالم تحتضن أصنافاً مختلفة من النمور بما فيها بنغلاديش ونيبال وبوتان وميانمار والصين وإندونيسيا وماليزيا وتايلند وفيتنام وكامبوديا وروسيا وغيرها، إلا أن النمور بالنسبة للهند تحتل مكانة خاصة؛ فإنها حيوان وطني لهذا البلد الذي يحتضن في محمياته وحدائقه الوطنية أكبرَ عدد من النمور مقارنة بأي بلد آخر في العالم؛ بحيث يبلغ عدد النمور في الهند اليوم نحو ثلاثة آلاف نمر حسب الإحصاءات الأخيرة، ممثلة نحو 75 في المائة من العدد الإجمالي للنمور في العالم.
ولو رجعنا إلى الوراء قليلاً ونظرنا إلى تطور وضع النمور في الهند، لوجدنا أن الهند قد أحرزت نجاحاً ملموساً، بل مدهشا في حفظ النمور من الانقراض خلال العقود الأخيرة. فأطلقت الهند مشروعًا وطنيًا خاصًا لحماية النمور وتهيئة البيئة الملائمة لها في عام 1973م، حيث لم يتجاوز عدد المحميات الخاصة بالنمور في الهند آنذاك تسع محميات.
وبفضل التخطيط المحكم والجهود المتضافرة من قبل الحكومة الهندية عبر العقود الماضية قد تضاعف عدد هذه المحميات أضعافاً مضاعفة في أنحاء البلد، وفي السنوات الأخيرة سجّلت الهند تاريخاً مشرقاً بهذا الشأن، بحيث إنها كانت تحتضن 1400 نمر في عام 2014م، واليوم قد يبلغ عدد النمور فيها ثلاثة آلاف نمر. وحديقة جيم كوربيت الوطنية (Jim Corbet National Park) المترامية الأطراف في ولاية أوتراكاند الجبلية بشمال الهند هي وحدها تحتضن اليوم 231 نمراً.
فالهند قد حققت ما قررته الدول المهتمة والمعنية تجاه هذه القضية في قمة سانت بطرسبرغ بروسيا قبل عشر سنوات من مضاعفة عدد النمور في العالم، بل إنها قد بلغت الهدف وحققت المنشود قبل حلول موعده المحدد وهو عام 2022م. ومع أن بعض الدول الأخرى أيضاً قد أحرزت تطوراً لا بأس به في تحسين وضع النمور مثل نيبال وبوتان وروسيا والصين حسب تقرير نشره الصندوق العالمي للطبيعة؛ إلا أن الوضع ليس مرضياً في بعض الدول الأخرى، ويقتضي الأمر اتخاذ خطوات جادة من قبلها بهذا الصدد.
** **
- كاتب وصحفي وأكاديمي من الهند