خالد بن حمد المالك
«احتفظوا بغضبكم وقهركم». بهذه العبارة المليئة بالتهديد والحقد والكراهية وجّه حسن نصر الله إلى عناصره في حزب الله نداءه إثر توارد خواطر اللبنانيين وشبه إجماعهم على أنه شخصيًّا وحزبه الإرهابي مسؤولون عن جريمة مرفأ بيروت، وإن حاول أن يتخلص من المسؤولية، ويلقيها - ولو افتراضًا - على إسرائيل.
* *
لقد أصابه الرعب والخوف منذ اليوم الأول من الحادث المروع، مخاطبًا الناس، بما لا يمكن للعقلاء أن يصدقوه، بالقول: نحن لا ندير المرفأ، ولا نسيطر عليه، ولا نتحكم أو نتدخل فيه، ولا نعرف ما هو موجود بالمرفأ اللبناني، وماذا كان يجري فيه.. إلى أن قال: نحن نعرف ما في ميناء حيفاء أكثر مما نعرفه في ميناء لبنان.
* *
وبين هروبه من الحديث عن مالك هذا المخزون من المواد القاتلة، كما فعل في خطابه الثاني، وتأكيده أن حزب الله لا يملك هذا المخزن وما فيه، يأتي خطابه الثاني للتركيز على أن إسرائيل قد تكون هي الفاعل، وإن لم تكن فهو حادث عارض، مع أن الأهم قبل معرفة مَن الفاعل في هذا التفجير أن يعرف اللبنانيون لمن تؤول ملكية هذا المستودع والمواد المتفجرة المخزَّنة فيه.
* *
وحسن نصر الله لم يكتفِ في خطابه الأخير المليء بالأكاذيب، البعيد عن الواقع، بالقول إن الانفجار ربما يكون حدثًا عارضًا، إن لم تكن وراءه إسرائيل، رغم كل الخسائر البشرية وغير البشرية، وإنما راح يوزِّع اتهاماته على الآخرين، سواء بما له علاقة بهذا التفجير، أو قضايا أخرى جانبية، تخص لبنان وغير لبنان، في استغفال لعقول الناس.
* *
في خطابه الأخير خصَّ بالثناء والمديح والإطراء، في مبالغات لا تتسق ولا تتفق مع الواقع، الرؤساء الثلاثة (عون وبري وذياب). وهو في هذا معذور، ولديه مبرره وأسبابه في هذا الموقف الذي يخالف به آراء اللبنانيين؛ لأن الرؤساء الثلاثة لا يخالفون له أمرًا، ولا يردون له طلبًا، وهو وهم تجمعهم أجندات وسياسات ومواقف هي ما أوصلت لبنان إلى ما وصل إليه.
* *
وكان واضحا أن حسن نصر الله في خطابه كان يتحدث تحت ضغطَيْن: ضغط الخوف من كشف علاقته بتفجير مرفأ لبنان، خاصة فيما لو كان التحقيق دوليًّا، وهو ما يرفضه، ويطالب - بحسب خطابه الأول - بأن يكون لبنانيًّا لتغطية ما يمكن أن يستدل به القضاء الدولي على دور لحزب الله في ذلك. وأما الضغط الثاني فهو اقتراب موعد إعلان محكمة الجنايات الدولية تحميل حزبه وبعض عناصره مسؤولية قتل رفيق الحريري؛ إذ إن حسن نصر الله توقَّع صدور هذه الإدانة، معلناً أنه سوف يرفضها، وكأنها لم تكن، هكذا يقول.
* *
تحدَّث عن الحكومة القادمة، ووضع تفاصيل لها، بما يتوافق مع سياسة إيران في لبنان، ورفض المساس بالعهد (رئيس الجمهورية) ورئيس مجلس النواب، واعتبر أن المظاهرات والاحتجاجات كان يقف وراءها توجيهات خارجية، ودور تحريضي من السفارات، وأن الغرض من ذلك إسقاط الدولة، وفتح الطريق أمام حرب أهلية، بما جعله يطالب بدون تحفظ باحتفاظ عناصر حزبه بغضبهم وقهرهم إلى اليوم الموعود.
* *
كثير مما تحدث به المرعوب حسن نصر الله يدخل ضمن دائرة الهروب من المسؤولية في كل ما جرى ويجري في لبنان، مع أن مشاكل لبنان وأزماته وعدم استقراره ناشئة عن سلاح الحزب، وإرهابه لأي معارض باستخدام القوة ضده، في مقابل عجز الجيش الشرعي وقوى الأمن عن حماية المواطنين من سطوة حزب الله، وإملاءات إيران، خاصة أن مواقف رئيس الدولة ميشيل عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة المستقيل حسان دياب تنسجم مع موقف حسن نصر الله، وتأخذ بالسياسات نفسها التي يتبناها حزب الله.