عبدالرحمن الحبيب
لأنني كنت أشاهده في أي وقت
أوه، نعم، هاري، حبيبي، أنت الشخصية المفضلة لي
كنت سأمشي ألف ميل لأجل رؤيتك
هاري، هاري، أنت في غاية الجمال
كل أعضائي ترتعش عندما تبتسم تلك الابتسامة العجيبة
أحب أن أكون فتاتك..
هذه قصيدة غنائية بعنوان «هاري بوتر» ألفها برنامج حاسوبي جديد، نشرها بمدونته الشهر الماضي الفنان أرام سابيتي، الذي لديه حق الوصول إلى إصدار مبكر خاص من البرنامج. يقول سابيتي: كان البرنامج جيدًا بشكل مخيف في كتابة نص متماسك مذهل مع بعض المطالبات البسيطة التي تضيفها على النص؛ موضحاً قدرة البرنامج على كتابة قصص قصيرة، ومقاطع كوميدية، وبيانات صحفية ومقابلات ومقالات وحتى قصائد «إنه مضحك ومخيف. أشعر وكأنني رأيت المستقبل..».
ومن الأمثلة التي يطرحها، قصة بوليسية ساخرة من بطولة هاري بوتر، الذي يصور مشهد البداية: مكتب حقير صغير، في الصباح الباكر، أثاث من متجر جيش الخلاص المتنوع. أجواء قذرة. هاري بوتر ببدلة رثة من الصوف الخشن، وقميص غير مضغوط، وحذاء غير لامع، يجلس خلف المكتب ويبدو قذرًا، أشعثاً ومريرًا. في أحد أركان المكتب، الظلال المشتتة تهتز مع هبوب الرياح في الخارج.
البرنامج يسمى GPT-3 Generative Pre-Trained Transformer 3)) يقوم بتشغيل نموذج لغوي آلي باستخدام شبكة عصبية اصطناعية لإنتاج نص يشبه النص البشري. وهو يمثل الجيل الثالث بسلسلة جي بي تي للتنبؤ اللغوي التي أنشأتها شركة OpenAI . تبلغ سعة الإصدار الكامل 175 مليار مَعْلمة للتعلم الآلي، ما يزيد بمقدار الضعفين حجماً عن سابقتها لتشكل مجموعة من بلايين صفحات النصوص جُمعت من كل تلافيف الإنترنت. وقد تم تقديمه في مايو الماضي، وهو قيد الاختبار التجريبي منذ شهر، ويمثل جزءاً من اتجاه في أنظمة معالجة اللغة الطبيعية (NLP) لتمثيلات اللغة المدربة مسبقًا. قبل هذا الإصدار، كان أكبر نموذج لغة هو لمايكروسوفت، الذي صدر في فبراير الماضي، بسعة أقل بعشر مرات من سعة جي بي تي.
البرنامج يعد أحدث تقدم بأحد أكثر المجالات المدروسة في الذكاء الاصطناعي لتمثيل اللغة إحصائيًا، ورسم خرائط احتمالية التي تتبع بها الكلمات كلمات أخرى عبر شبكات عصبية اصطناعية ضخمة مدربة على النص لتوقع ما يمكن أن تكون عليه الكلمة التالية في تسلسل ما.. مثلاً، عدد المرات التي تلي كلمة أزرق «بحر»، أو أحمر بكلمة «وردة». يمكن إجراء نفس النوع من التحليل على الجمل، أو حتى على فقرات كاملة؛ فيمكنك مثلاً إعطاء هذا النموذج موجهًا قصيدة عن الورود الحمراء بأسلوب شاعر مبدع تحدده، وسيبحث في مجموعة العلاقات الإحصائية الخاصة به للتوصل إلى نص جمالي يطابق الوصف (إيكونيميست).
هناك بالتأكيد العديد من الإشكالات المبدئية على ما يمكن أن تفعله هذه النماذج اللغوية، مثل ما يتضمن الإدراك والتصرف والاستجابة السلوكية داخل النص، حسب أستاذ الفلسفة بجامعة نيويورك ديفيد تشالمرز؛ إذ قد يُنشئ هذا البرنامج نصًا صحيحًا نحويًا لكنه غير مرتبط بالواقع، مثلاً «أن الأمر يتطلب قوس قزح للقفز من هاواي إلى 17». تقول ميلاني ميتشل، أستاذة الكمبيوتر عن البرنامج: «ليس لديه أي نموذج داخلي للعالم - أو أي عالم آخر - وبالتالي لا يمكنه القيام بالتفكير الذي يتطلب مثل هذا النموذج».
بيد أن جودة النص بواسطة هذا البرنامج عالية جدًا، وأدق كثيراً مقارنة بالإصدارات السابقة ذات السعة الأصغر، بحيث يصعب تمييزها عن تلك التي يكتبها الإنسان، ففي أحد الاستبيانات كافح القراء من البشر للتمييز بين المقالات الإخبارية التي تكتبها الآلة وتلك التي يكتبها الأشخاص (إيكونيميست). كما أوضح إليوت تورنر، باحث ومتعهد في مجال الذكاء الاصطناعي، كيف يمكن استخدام النموذج لترجمة الرسائل الوقحة إلى رسائل أكثر أدباً، وهو أمر قد يكون مفيدًا في العديد من أركان الإنترنت الأكثر سوءًا.
وإذا كان للبرنامج فوائد أدبية فله أيضاً مخاطر. ففي شهر مايو الماضي، قدم أكثر من ثلاثين باحثاً من نفس الشركة (OpenAI) التي أنشأت البرنامج دراسة تحذر من المخاطر المحتملة للبرنامج ودعوا إلى إجراء بحوث للتخفيف منها. نظرًا لأنه يمكنه «إنشاء مقالات إخبارية يجد المقيمون صعوبة في تمييزها عن المقالات المكتوبة بواسطة البشر، فإن لديها إمكانية تطوير التطبيقات المفيدة والضارة للنماذج اللغوية». الباحثون وصفوا بالتفصيل «الآثار الضارة المحتملة والتي تشمل «المعلومات المضللة والبريد العشوائي والتصيد الاحتيالي وإساءة استخدام العمليات القانونية والحكومية وكتابة المقالات الأكاديمية الاحتيالية وادعاء الكتابات الاجتماعية».
في مراجعته قبل أسبوعين بصحيفة نيويورك تايمز، قال فرهاد مانجو: «إن GPT-3 الذي يمكنه إنشاء كود كمبيوتر وشعر، بالإضافة إلى النثر، ليس فقط مذهل وغريب ومتواضع، ولكن أيضًا مرعب قليلاً.» في حين وصف الفيلسوف الأسترالي ديفيد تشالمرز البرنامج بأنه «أحد أكثر أنظمة الذكاء الاصطناعي إثارة للاهتمام والأكثر أهمية على الإطلاق.» ولعله من المهم بالمقال القادم استعراض أراء الفلاسفة لهذا التطور التكنولوجي الذي يمس الإبداع الجمالي البشري وقد ينسف المفاهيم الفنية والأدبية التي عهدناها.