صيغة الشمري
الغريب جداً والذي يزيد قناعتي بضرورة كتابة هذا الموضوع هو أن جميع شعوب دول العالم الأول نادراً ما تجد منهم من يرغب بالحديث عن غير ما تخصص به أو درسه، لا يكادون يفهمون عندما تحاول الحديث معهم عن التاريخ السياسي أو الاقتصادي أو الرياضي أو الفني لدولتهم أو لدول العالم، لديهم اهتمام خاص فقط بما يفهمون به فقط أو درسوه أو ضمن هواياتهم، حتى أنك لا تجد لديهم شغفاً بتضييع وقتهم في الجدل والتنافس باستعراض المعلومات وطرح الآراء الخاصة دون مرجعية يستند عليها، عكس ما يحدث في بلداننا العربية، جميعنا نتناقش كعلماء، كأننا درسنا في أعتى الكليات في العالم وتقلدنا أعلى المناصب ولدينا أطروحات وبحوث حصلنا من خلالها على أعلى الدرجات العلمية فيما نتحدث عنه، نملك دون وجه حق تفسير ما وراء الأحداث وكأننا نملك الحقيقة المطلقة، مع أنه في الغالب تكون حقيقة الأحداث عكس ما نهرف به دون أن نعرف، اقرأ بعض التغريدات التي تعلق على حدث ما فأذهب لحساب صاحب التغريدة فأجده غالباً لا يملك معرفة حتى في تدبير أتفه أموره.
الشعبوية الجارفة التي تسببت منصات التواصل الاجتماعي في جعل صوت ضجيجها يصل عنان السماء شكلت موجة مغرية لركوبها حتى من قبل من يملكون شهادات عليا في تخصصات علمية وأدبية، جعلت من ممرض أو طبيب أسنان يتسيد المشهد في تقديم نصائح طبية دقيقة حول جائحة كورونا بل يستعرض تقييمه للقاح الدولة الفلانية أو علاج الدولة العلانية من منطلق شعبوي غير مكترث بأن أخلاق المهنة لا تسمح له بتقديم آراء طبية في تخصص غير تخصصه، صوت الشعبوية الجارف جعلنا كل يوم أمام «هاشتاق» سخيف يناقش سقطة لأحد مشاهير السوشال ميديا، نتيجة التنافس المحموم للبقاء في ذروة هرم الشعبوية حتى لو كلف ذلك دكتور جهبذ ونخبوي في مجاله للتخلي عن تخصصه والخوض في أمور شعبوية خارج تخصصه الذي أفنى عمره فيه وألف عنه عشرات الكتب ذات القيمة.
الشعبوية دفعت ممثلاً ليركب الموجة في انتقاد دور البنوك الاجتماعي وهو يعلم يقيناً بأنها من أهم الداعمين في هذا المجال، الشعبوية تسببت في تهافت الكثير من النخبويين والمتخصصين للتخلي عن دورهم الحقيقي ورسالتهم الإنسانية الأسمى، الذي حدث يكشف بأننا بحاجة ماسة لحماية دور المنصات الإعلامية والإعلاميين الحقيقيين الذي اختطفه الشعبويون!