عمر إبراهيم الرشيد
الإنسان ابن بيئته، يتأثر بمكوناتها المناخية والجغرافية كما يؤثر فيها بحسب معارفه ومهاراته. ومثلما يحمل أهل الجنوب إرث العراقة التاريخية نسباً وعادات وثقافة، فهم أبناء تلك البيئة الخضراء الندية، يلتحفون الغيوم ويشربون من ماء السماء، فأي بيئة تنضح بالجمال الباذخ كهذه البيئة. في ظل هذه الجائحة وتوقف حركة السياحة الدولية عالمياً إلا من بعض الاستثناءات، كانت وسائل الإعلام التقليدي والاجتماعي تتناقل الحركة السياحية هناك بكل ما فيها، وهي حديث قديم جديد على كل حال وإنما للظروف الراهنة كما قلت كان التركيز ربما أكبر من ذي قبل، ونظير تزايد أعداد السياح من الداخل خصوصاً. وتحرياً للموضوعية أقول إن قضية السياحة الداخلية يتم تناولها من قبل البعض بكثير من العاطفة، علماً بأن السياحة إنما هي صناعة تشكل لكثير من الدول مصدر دخل رئيسي يضاهي النفط أحياناً مشكلاً ثروة لا تنضب، منها فرنسا وإسبانيا وإيطاليا كأمثلة فقط. ومباشرة وبعيداً عن التنظير هناك شكوى من البعض عن غلاء وعدم واقعية أسعار الإيواء في جنوب المملكة وقت الموسم، وهنا يبرز تساؤل غير جديد أيضاً، هل البنية الأساسية من فنادق وشقق ووحدات إيواء على أنواعها كافية لاستقبال جموع المصطافين المتزايدة كل عام؟ ولا يعوز القراء الكرام إلا التذكير بقانون العرض والطلب التجاري، ومتى ما استوفي هذا المطلب الحيوي فلن نجد بعد ذلك غرفة في إحدى مدن الجنوب وكافة مناطق المملكة أغلى من غرفة على ضفاف بحيرة في الريف النمساوي.
تصلني كما تصلكم كذلك صور ومقاطع لمدن جنوب المملكة، ولولا شواهد محلية من سيارات أو مواطنين لظننت أنها لإحدى دول شمال أوروبا دون مبالغة، لذا فلا ينقص منطقة كهذه تتمتع بطقس ممطر وندي في عز القيظ، وغطاء نباتي مدهش إلى جانب جبال شاهقات تجعل من يصل قممها يمسك بقطع من الغيم، إلا إلى تشجيع الاستثمار في إنشاء المزيد من الفنادق سواء الفاخرة أو تلك الصغيرة قليلة التكلفة، كما هي في المدن الغربية والأمريكية الصغيرة أو حتى تلك التي في ضواحي المدن التي تتميز برخص أسعارها وجودة خدماتها في نفس الوقت. يبقى أمر قد يغفل عنه الكثيرون، وهو في رأيي بالغ الأهمية، إذ إن في كثير من مدن جنوب المملكة هناك مدن وقرى وبلدات صغيرة تكون فيها الأراضي أملاكاً متوارثة وحمى لأسر ممتدة، وبعضهم لا يرغب ويرفض استثمارها من قبل الغير، باستثناء الخدمات والمصالح الحكومية وما فيه مصلحة عامة فهذا أمر مختلف، وإنما ما قصدته هو الاستثمار من قبل الشركات أو الفنادق ورجال الأعمال وهذا ما يجدر مراعاته.
تبقى مسألة التغير في مزاج مدن الجنوب وقت الموسم السياحي، فالمعروف أن تلك المدن هادئة المزاج لا تعرف الصخب ولا التلوث وزحام السيارات والبشر، وأهل تلك المدن بالطبع مزاجهم من مزاج مدنهم ولابد من أخذ هذه المسألة في الحسبان. وبتوافد تلك الأفواج من السواح مع عدم تناسب المعروض من أماكن الإيواء والخدمات السياحية والمطاعم وغيرها، كل هذا قد لا يسهم في صناعة سياحية مأمولة بالمعنى الاقتصادي والاجتماعي، وخصوصاً أن المملكة قد فتحت المجال للسواح من معظم دول العالم للقدوم للمملكة، وهذه المعايير بالطبع تنطبق أهميتها والحاجة إليها في كل ربوع المملكة وليس في الجنوب الغالي فقط. يبقى التذكير أن الجنوب ظهر الوطن ودرعه الخلفية أسهم ويسهم أبناؤه مع أخوتهم من كافة مناطق المملكة في نمو واستقرار هذا الوطن العزيز والدفاع عنه، حمى الله بلادنا من كل مكروه وسائر بلاد العرب والمسلمين، إلى اللقاء.