خالد بن حمد المالك
طُرحت مبادرات كثيرة أمام الفلسطينيين والعرب بما في ذلك قيام الدولتين، بأفكار مختلفة، ودعوات من مصادر كثيرة، ومن عدة أشخاص، ودول ومؤسسات، منذ أن هُزم العرب في حرب الأيام الستة عام 1967م، وبعد حرب عام 1973م، وحتى قبل العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م، ودعوة الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة - رحمه الله - الذي دعا الفلسطينيين والعرب إلى أن يأخذوا ويطالبوا، ورفضت، بما في ذلك عدم قبول العرب والفلسطينيين بقرار التقسيم الذي أقرته الأمم المتحدة بعد قيام دولة إسرائيل عام 1948م.
* *
وكما هو معروف فقد نابت الأردن عن الفلسطينيين في إدارة الضفة الغربية، وتولت مصر إدارة قطاع غزة، ولكنهما لم تتمكنا من المحافظة عليهما، فقد احتُلت من إسرائيل ضمن الأراضي المصرية والسورية التي كانت مكاسب العدو في انتصاره في حرب عام 1967م، وبالتالي أصبحت إدارتها تتم من قبل المحتل، دون أن يتغيَّر الوضع إلى أن تم عزل القطاع وأجزاء من الضفة بعد اتفاق أوسلو، وترك إدارتها للفلسطينيين، مع بسط النفوذ الإسرائيلي والتحكم فيها وفق ما تقرره تل أبيب.
* *
بدأ الانكسار العربي، والشعور بالتفوق الإسرائيلي إثر الهزيمة المذلة للقوات العربية عام 1967م، دون أن يخفف من وطأتها نتائج حرب عام 1973م وكانت من نتائجها اعتراف الرئيس المصري الأسبق أنور السادات بإسرائيل، تلاه الملك حسين - رحمهما الله - باعتراف الأردن، لتأتي قطر وتفتح مكتباً تجارياً واقتصادياً يرفع العلم الإسرائيلي، وتتعاون مع إسرائيل بما في ذلك إنشاء معبد يهودي في الدوحة.
* *
الفلسطينيون رفضوا المضي مع السادات في مشروعه لحل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي رغم وعوده بتنازلات إسرائيلية مشروطة تكون مقابل الاعتراف المصري بالدولة الإسرائيلية، وربما أن الملك حسين فاتح الفلسطينيين بمثل ذلك، لكنه لم يجد استجابة منهم للتنسيق بما يعيد شيئاً من الحقوق الفلسطينية لهم مقابل اعترافه بإسرائيل، والآن جاء دور الإمارات للتطبيع بينها وبين إسرائيل، ولا أستبعد أن ولي عهدها هو الآخر فعل كما سابقيه للحصول على توافق مع الفلسطينيين على ما يمكن تحقيقه لهم مقابل هذا الاعتراف الذي اعتبرته إسرائيل وأمريكا والعالم تاريخياً.
* *
الفلسطينيون دخلوا على خط الصلح مع إسرائيل، واعترفوا بها من خلال مبادرة (أوسلو) التي قادها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات - رحمه الله- والرئيس الحالي أبو مازن، ومع أن ما تم الاتفاق عليه كان يحقق الكثير من المطالب والتطلعات الفلسطينية، إلا أن بعض الفصائل الفلسطينية لم تكن مستعدة للمضي مع هذا التوجه الفتحاوي، في اعتراف متبادل بين السلطتين الإسرائيلية والفلسطينية كونه بزعم هذه الفصائل يمثِّل تفريطًا بالحقوق الفلسطينية.
* *
وكانت المملكة - وهذا للتاريخ - هي الدولة العربية الوحيدة التي رمت بثقلها في تحقيق إنجاز يُجمع عليه الفلسطينيون والعرب، بدءاً بمبادرة (فاس) التي تبناها الملك فهد - رحمه الله - في مؤتمر القمة العربي الذي عقد في المغرب، ثم لاحقاً مبادرة الملك عبدالله - رحمه الله - التي أطلقها خلال القمة العربية التي عقدت في لبنان، وسميت بالمبادرة العربية، وكلتا المبادرتين وحدتا الموقف العربي والفلسطيني، لكن إسرائيل لم توافق على أي منهما، ولو قبل الفلسطينيون بالحوار مع إسرائيل حول هاتين المبادرتين لتعديل ما يلبي رغبة إسرائيل، ومن دون أن تُفرّغ أي من المبادرتين من المتطلبات الفلسطينية والعربية لكانت القضية والفلسطينيون الآن في وضع أفضل.
* *
وموقف المملكة في دعمها للقضية لا يقتصر على هاتين المبادرتين فحسب، وإنما بالدعم السياسي والمالي الذي لا حدود له، ومن تمكين الفلسطينيين من العمل بالمملكة، ومعاملتهم كما السعوديين في كثير من متطلبات الحياة، ولا بد لي في هذا الاستعراض أن أذكّر بأن المملكة ومن أجل الدفاع عن حقوق الفلسطينيين المشروعة بوطنهم فقد قامت بقطع إمداد البترول عن الغرب أثناء حرب عام 1973م، مما عرّض مصالحها للخطر، لكن الملك فيصل لم يفكر في مصالح بلاده إذا كان ذلك لا يخدم مصالح فلسطين وأبناء فلسطين.
* *
وللتذكير أيضاً لا ينبغي على الفلسطينيين والعرب أن ينسوا إطلاق الملك سلمان تسمية القمة العربية التي عُقدت بالظهران بقمة القدس، حين كان يرأس اجتماعها، وجاء تبنيه للقدس عاصمة للدولة الفلسطينية امتداداً لمواقف المملكة في مساندة القضية الفلسطينية منذ عهد الملك عبدالعزيز مروراً بعهود كل الملوك وإلى اليوم، رغم تعقيدات القضية وانحياز العالم إلى إسرائيل، وتنكرهم للحقوق الفلسطينية، وتجاهلهم لكل قرارات الشرعية الدولية، ما صعّب من تنفيذ القرارات الدولية أمام أطماع تل أبيب، وعدم التزامها بتطبيق ما اتفقت عليه مع السلطة الفلسطينية برعاية الولايات الأمريكية.
* *
تطبيع الإمارات لعلاقاتها مع إسرائيل شأن إماراتي خاص بها، وليس من حق الآخرين أن يتدخلوا في هذا الشأن، واعترافها بإسرائيل لن يجعلها غائبة عن أي دعم أو مساندة مستقبلية للأشقاء الفلسطينيين، بل إن هذا الاعتراف ربما يساعدها على خدمتهم والدفاع عن حقوقهم بأكثر مما لو أنها بلا علاقات مع إسرائيل، على أن اعتراف دولة الإمارات بإسرائيل هو امتداد لاعتراف السلطة الفلسطينية بإسرائيل أيضاً، فضلاً عن أنه يأتي بعد اعتراف كل من مصر والأردن، إلى جانب اعتراف قطر المنقوص.
* *
والمهم الآن أن يوحِّد الفلسطينيون موقفهم، ويتركوا جانباً الخلافات فيما بينهم، ويتجنبوا هذا الانقسام الذي مزَّق حلم إقامة الدولة، وقد يجعل مستقبل هذا الشعب في مهب الريح، وأن يستفيدوا من الدروس والتجارب المريرة التي أوصلت القضية الفلسطينية إلى هذا المستوى من الهزائم والتراجع والخوف من ألا يقبضوا في المستقبل إلا الريح، والحذر كل الحذر أن يتجاوبوا مع الأصوات المبحوحة التي تتاجر بالقضية من خلال الإساءة إلى دولة الإمارات وغيرها من الدول المساندة للفلسطينيين، وخاصة من تركيا وإيران وقطر وتلك الأبواق الإعلامية وفي مقدمتها قناة الجزيرة.