أميمة الطائي
في ظل الظروف الراهنة التي نعيشها اليوم بعد تفشي فيروس كوفيد-19 وإعلان منظمة الصحة العالمية أنه (جائحة)، ظهرت بعض الدراسات التي نشرت مؤخراً تتحدث عن ظهور موجة ثانية من فيروس كوفيد-19 أكثر خطورة وأن الفيروس سيبقى معنا لسنوات ما لم يتم تطوير لقاح مضاد وإتاحة استخدامه، في هذه الأثناء سارعت دول العالم إلى منع التجمعات البشرية وفرض حظر شامل للتجوال لمنع انتشار الفيروس فأصبحت الشوارع فارغة والمدن مهجورة وتوقفت سبل الحياة. فهل فيروس كورونا سوف يغير العالم؟!
وفقاً لما جاء في تقرير نشرته صحيفة بوليتيكو الأمريكية بعنوان: (كيف سيغير فيروس كورونا العالم) استطلعت فيه آراء عدد من الخبراء والمفكرين الذين أكدوا أن فيروس كورونا غير مجرى حياتنا وأثر بشكل كبير على أنماط حياتنا وسلوكنا وعلى علاقة المجتمعات مع بعضنا البعض، ويضيف التقرير بأن فيروس كورونا سيستمر لفترة طويلة وسيكون تأثيره أبعد مما تخيلنا.
بحسب رأي الخبراء والمفكرين فإن جائحة كورونا ستعيد تشكيل الحياة من جديد، فهل ستعيد تشكيل العمارة في المستقبل أيضاً؟
يرى جوهان وولتجر من كلية الهندسة المعمارية بجامعة ويستمينستر في المملكة المتحدة، من الضروري إعادة التفكير في مستقبل المدن بعد أن أصبح من الصعب جداً الرجوع إلى الحياة السابقة وعودة المدن إلى ما كانت عليه سابقاً، فيجب أن تكون المدن أكثر قدرة على التعامل مع تحديات المجتمع وليس في عزلة عنه.
لقد كشف هذا الوباء بلا رحمة الخلل العميق في العمارة ونحن اليوم كمعماريين ومصممين عمرانيين ومخططين بأمس الحاجة إلى إعادة النظر في فلسفتنا المعمارية وتصاميمنا، نحن بحاجة إلى بناء مدن صالحة تخدم المجتمعات وتلبي كافة احتياجاتها، مدن صحية تحترم البيئة وتوفر كافة متطلبات الإنسان الاجتماعية والنفسية والصحية.
إن بناء مدن صالحة للعيش وقادرة على مواجهة الأوبئة في المستقبل لا تعني بالضرورة إعادة بناء مدن جديدة تختلف تماماً عن مدننا، الأمر ليس بهذا التعقيد نحن فقط بحاجة إلى مدنٍ تحترم الطبيعة التي انتهكتها البشرية، مدنٌ تكثر فيها المساحات الخضراء التي تساهم في تحسين الصحة البدنية والنفسية للسكان، مدنٌ أقل ازدحاماً تنتشر فيها المساحات المفتوحة ومرافق غسل اليدين بكثرة، مدنٌ تعمل على توظِيف التكنولوجيا من أجل تقليص التواصل المباشر بين الناس، وفي هذا السياق يؤكد أرجون كايكر رئيس عمليات التحليل والرؤى المستقبلية في شركة زها حديد الهندسية على ضرورة توظيف التقدم التكنولوجي في تقليل الاتصال المباشر مع الخدمات المجتمعية ابتداءً من الشارع وحتى محطات العمل.
إن بناء مدن صحية صالحة للعيش وقادرة على مواجهة الجوائح والأزمات في المستقبل يكون بتحقيق العلاقة التفاعلية بين البيئة الطبيعية والتقدم التكنولوجي، وذلك من خلال:أولاً: محاكاة الطبيعة وإعادتها إلى مدننا والتوجه نحو التصميم المحب للطبيعة (هو محاولة الانتماء للطبيعة في البيئة المبنية) من أجل خلق بيئة صحية وتقليل التأثير السلبي على الطبيعة.
ثانياً: التوجة نحو التصميم المستدام والتخلص من ظاهرة الأبنية المريضة التي تفتقد إلى التهوية المناسبة والإضاءة الطبيعية بالإضافة إلى الرطوبة ودرجات الحرارة التي تسبب الكثير من المشاكل الصحية لشاغليها ومعالجة هذه المشاكل عن طريق توظيف الإضاءة والتهوية الطبيعية كأسس مهمة في التصميم.
ثالثاً: استخدام التطور التكنولوجي لتقليص الاتصال المباشر بين الناس وجعل منازلنا أكثر مرونة في التعامل مع أساليب العمل عن بُعد وخاصة في مجال التعليم والاستشارة العلاجية وإقامة المؤتمرات الدولية بالإضافة إلى السوق الإلكترونية وغيرها من مجالات الحياة الأخرى.
بذلك ستصبح مدننا المستقبلية صحية ومناسبة للعيش في كل الظروف وقادرة على التصدي لمثل هذه الأزمات.