علي الخزيم
كان المسلسل الاجتماعي الساخر (طاش ما طاش) قد عرض حلقة تناول خلالها ألاعيب بعض المزورين والمرتشين، وبينهم قضاة وكتَّاب عدل وغيرهم، وركز بتلك الحلقة على ما أطلق عليه حينها (قاضي الجن) إذ ادَّعى أن نفراً من الجن سيطروا على عقله ومداركه وورطوه بالسرقة وتزوير الصكوك وما إلى ذلك من العبث وخيانة الأمانة وأكل المال بالباطل، وفي صلاة الجمعة التالية لعرض الحلقة صَعَد على المنبر بمسجد الحي خطيب لم نألف وقوفه أمام المصلين، وبدأ خطبته بنبرة حادة وأخذ صوته يتصاعد بالوعيد والتهديد لكل من يتجاوز ويتطاول على رجال الدين والمشائخ والقضاة ـ على حد قوله ـ ثم أورد ما جاء بالحلقة كمثال على ما وصفه بالفسق والفجور، ودعا على ممثلي المسلسل بحماس زائد، إذ قال: اللهم سلسلهم بنار جهنم؛ وما تبعها من جمل وعبارات تكاد تخرجهم من الملة والعياذ بالله، وكان الناس آنذاك ما بين مصدق ومكذب لرواية المسلسل إلى أن أثبتت الأحداث اللاحقة أن لا معصوم من الولوغ بالمحاذير، لكنها من تلك الفئة تكون أكثر إزعاجاً وألماً بنفوس المجتمع حيث أنهم من يتولون القضاء لإحقاق الحق وإنصاف المظلوم، فكيف يخونون هذه الأمانة العظيمة!
رجال الأمن لا سيما القياديون منهم عليهم مسئولية عظيمة وحِملٌ ثقيل لضبط الأمن وإحاطة المجتمع بسياج من الطمأنينة والهدوء؛ وأقسموا على ذلك؛ وعلى أن يتحلَّوا بالنزاهة والإخلاص للدين والمليك والوطن، غير أن الجن فيما يبدو قد استطاعوا كذلك إغواء بعض القيادات ومن تحت إدارتهم من ضباط وأفراد، كما يتضح بالحالة المعلنة قبل أيام أن مزاج الجني (العفريت الجريء جداً) قد فاق وبزَّ عفريت القاضي؛ فهذا الأخير لم يَرضَ سوى بالسيارة الفارهة الفاخرة مركباً له، ما جعل القيادي الكبير يرضخ لرغبته ويشطب شراء عشر سيارات للمهمة المقصودة ويختصرها من 17 إلى سبع وتعويض العشر المبعدة بالسيارة الفخمة (Maybach) ويخصصها لسعادته شخصياً، كيف لا؟ وهو من بلغ به الصَّلف والكبرياء وعدم تقدير العواقب إلى حد المجازفة الخطرة بخيانة الأمانة أولاً، وضرب عُرض الحائط بكل الأنظمة والقوانين لإشباع فراغ نفسي وغرور بالمنصب دفعه لتناسي مكانه (وزمانه) فنحن نعيش ولله الحمد والمنَّة عهد الحزم والعزم واجتثاث الفساد والمحسوبية، أعز الله قائد الأمة وسمو ولي عهده.
وإن المرء بهذه البلاد الناهضة -حرسها الله- بقيادتها العادلة الحازمة ليعجب من جرأة بعض من كُلِّفوا بالرعاية وإدارة وتنظيم شؤون العباد من قائد لقطاع أمني أو محافظ لمحافظة أو مسئول شرعي وغيرهم؛ جرأتهم على تجاوز وتخطي كل الخطوط الحمراء التي أكد عليها ملك الحزم والعزم وسمو ولي عهده أيدهما الله، جرأة خارقة للعادة والمألوف، فكيف يتمادى مسئول بوزارة الدفاع مثلاً وبين يدي وزيرها سمو ولي العهد أن يعبث بالأنظمة لصالحه، فمثل هذا لا شك أن عتاة العفاريت قد أحاقت به وغَيَّبته عن الواقع!
اللهم ارزقنا الاستقامة ولا تُخْزِنا يوم العرض عليك.