عبدالوهاب الفايز
(عندما تبلغ اللامسؤولية، أو التواطؤ، أو الإهمال، أو العجز، أو الجهل، بالطبقة السياسية ما بلغته، فلا تعود تعرف الفرق بين تخزين البطاطا والديناميت. ولا يعود ذلك مهمًّا؛ لأن الدولة هي التي نشرت روح الاحتقار للآخر، وهي التي عودت الناس غيابها، وهي التي جعلت الارتكاب أمرًا عاديًّا). هذا جزء من سلسلة المقالات المتتابعة التي كتبها الأستاذ سمير عطاالله في عموده اليومي الممتع في الشرق الأوسط.
ومقالات الأستاذ سمير بقدر المتعة التي تمنحها للقارئ إلا أنها تحمل ملامح الوجع والنكبات العربية. مقالاته الأخيرة وضعتنا إزاء مرارة الوضع المزري الذي يعانيه كل لبناني ظل (يحلم) بالعودة والاستقرار، كما هي حال الأستاذ سمير عطاالله.
لبنان منكوب بالإدارة السياسية، بلد يتعامل فيها المسؤولون مع المواد المتفجرة وكأنها (شحنة بطاطا). ذروة المرارة عند اللبنانيين أن رئيس الدولة أمضى الوقت الطويل يدافع عن حقه الدستوري في السلطة، ولكن (عندما سُئل لماذا لم يتصرف عندما تلقى في 20 يوليو [تموز] الماضي مذكرة القضاء في شأن متفجرات المرفأ قال إن ذلك ليس من صلاحياته). هذه قمة المأساة لدى الأستاذ سمير عطاالله!
طبعًا لم يعد خافيًا أن هذا الوضع المزري هو ثمرة الاحتلال الإيراني الذي يعيشه لبنان منذ عشرين عامًا. لقد أدار حسن نصرالله مشروع الاحتلال نيابة عن الولي الفقيه الذي أدخل لبنان في مشروع تصدير الثورة. هذا أفقد لبنان عروبته ومستقبله، وتحول جزء من الشعب اللبناني إلى مشارك في المشروع الإيراني الفارسي لاحتلال شرق المتوسط. أيضًا تحولت مؤسسات فكرية وإعلامية وسياسية لبنانية إلى مشارك فاعل في مشروع تخريب الشرق الأوسط: أي شوكة في حلوقنا، ومعول تخريب ضد الشعوب العربية. وهذه هزيمة للفكر والثقافة في لبنان!
في انفجار بيروت المروّع شاهد العالم صورة حية متجددة لتدهور الوضع والدمار الذي يعيشه الشرق الأوسط منذ ثلاثين عامًا. حروب الثلاثين عامًا في المنطقة بدأت مع الثورة الإيرانية، وانطلق مشروع ولاية الفقيه، وفي لبنان حيث 18 طائفة وجد الخميني الأرض الخصبة ليطلق مشروعه الطائفي.
لقد أفسدت إيران الأمل العربي أن يكون لبنان نموذجًا للتعايش بين الطوائف والأديان؛ ليقدم للعالم النموذج العربي الذي يجعل إسرائيل في حرج كبير. لكن إسرائيل قدم لها المشروع الطائفي الإيراني الفرصة الذهبية لتمرير مصالحها وتوسيع هيمنتها. لقد خدمها بصورة جعلت كثيرين يعتقدون أن الطرفين ينسقان التحركات والخطط للتآمر على المنطقة.. إيران تخرب وإسرائيل تجني الثمار!
الأمر المضحك أن اللبنانيين كلهم متفقون على أن بلادهم أصبحت (الدويلة داخل الدولة!)، ويقصدون بذلك حكم نصرالله الذي أصبح نموذجًا معاصرًا لـ(حسن الصباح) زعيم الحشاشين؛ إذ يرسل من المخبأ إشارات التهديد والوعيد.. والكل يعرف سلسلة الاغتيالات التي شهدتها لبنان. وكلها تحمل بصمات السيد.
لقد واصل نصرالله سياسة الكماشة والمحاصرة التي يتبعها ويطبقها بنجاح، وهي: التخويف بالحرب الأهلية أو التسوية السياسية كما يريدها! خوف اللبنانيين من السيد يجعلهم الآن يطالبون بـ(تحقيق دولي)، وهذا ما تريده إيران وأنصارها؛ فهي المتحكم في البلد وفي النخبة السياسية الفاسدة. فالتحقيق سوف يعطي الفرصة لإعادة ترتيب الأمور، كما هو الحال مع التحقيق في اغتيال رفيق الحريري.
الذي نرجوه استمرار الانتفاضات العربية ضد الطائفية الإيرانية وضد مشاريع التخريب في المنطقة. إذا لم يخرج المحتل الإيراني لن تعالج الشعوب مشاكلها الأساسية. لبنان لديه مشكلة النظام الانتخابي، وإشكالية الرئاسات الثلاث: رئاسة الدولة، رئاسة الحكومة، ورئاسة البرلمان. والآن إعادة تعمير بيروت.
لبنان قد يأخذه نصرالله إلى (حرب أهلية)، كما هدد.. أو يتدخل العالم لإنقاذه ليكتب تاريخ استقلاله من جديد!