ذكريات إبراهيم العميري
منذ أن خلقنا الله جل جلاله على هذه الأرض ونحن في حيرة من أبناء وبنات أبونا آدم وأمنا حواء، البعض من هؤلاء البشر الذين أطلقت عليهم مسمى مضمونه «The silent category- الفئة الصامتة» ذكوراً كانوا أم إناثاً تلك الفئة التي طالما حاولنا التعمق في شخصياتهم أو التعامل معهم نجد جداراً من الغموض.
فلنبحر معاً في طريق مغلق وربما قد يصادفنا الحظ كي نكون لهم نوراً ومصدر إشعاع للبدء بمرحلة تقلب موازين كوكبهم رأساً على عقب تحت مبدأ «change - التغيير» فلنتأمل في خيالاتنا ومن واقع الحقيقة في كوكب تلك الفئة الصامتة.
أولاً: الشخصية الانطوائية - The introverted personality:
«المنطوي» كلمة تعني الشخصية الاستنبطانية الهادئة غير الاجتماعية، حيث أن الكاتبة سوزان كين تناولت ذلك في كتابها «الهدوء» بطريقة قلبت الموازين، وذكرت أن الشخصية الانطوائية ليست شخصية معقدة بل هي من أسباب كثير من الابتكارات والاختراعات الباهرة والفنون الجميلة، وكثير منها نتاج عزلة، مع تدعيم ذلك بأقوال لأصحاب المنجزات إضافة إلى أبحاث علمية ونفسية رصينة في هذا الشأن.
ثانياً: الكتوم وقليل الكلام - secretive:
لا يتحدث كثيراً، يمكن تحكي له قصة طويلة قد يقول نعم أو لا فقط، وقد يبتسم بهدوء، فهو لا يُقيم حواراً مستمراً، وليس له رد فعل واضح لا تعرف هل هو غاضب، أو مسرور.
(علماً أنه في علم النفس لا يوجد ما يسمى بالشخصية الكتومة ولكن الكتمان قد يكون من صفات الشخص التي تشكل شخصيته) فهو غير اجتماعي، يستخدم الصمت أحياناً للسيطرة أو يكون ظاهرة ضعف، يتهرب من المواجهة، ولا يحب الجدل.
الكتوم قليل الكلام من الشخصيات غير المريحة نفسياً، لأنها لا تتفاهم بسهولة ولا تندمج مع الآخرين، وبالتالي التعرف على الأسلوب الأمثل للتعامل معهم ليس سهلاً على الإطلاق، بل يحتاج لمزيد من التروي والتدقيق والفحص قبل الإقدام على التعامل معهم، ولا بدّ أن يكون ذلك بحذر شديد جداً.
ثالثاً: الشخصية الغامضة - mysturious person:
تُعد طبقاً لعلماء النفس أكثر الشخصيات المستفزة، وأكثرها تعقيدًا، سنحاول فك شفرة تلك الشخصية، والتعرف عليها ومعرفة ما تفكر به.
تُثير الشّخصية الغامضة فضول النّاس من حولها، فهي شخصيّة مُتحفظّة، وغير واضحة، الأمر الذي يجعل فهمها صعباً، بحيث لا يمكن معرفة ما يدور في أذهان أصحابها، وعلى الرغم من أنّهم لا يفصحون عما في أنفسهم، إلّا أنّهم محطٌّ لإعجاب الكثيرين، وذلك بسبب جاذبية هذه الشّخصية التي تتمتع بالتّواضع، والنّضج، والهدوء، والسّيطرة الكاملة على المشاعر، إضافةً إلى امتلاكهم لعنصر التّشويق والإثارة، فتصرفاتهم غير متوقعة، وكلامهم قليل، وعادةً ما يكون مهمًا وفي مكانه، كما أنّ عدم خوضهم في تفاصيل إضافيّة عن حياتهم، يجعل الآخرين يتوقون إلى التّعرف عليهم أكثر.
رابعاً: الشخصية القهرية - Compulsive personality:
يتميز بالدقة الشديدة التي تجعله يهتم بكل التفاصيل التي تبدو لغيره غير مهمة، كما يصفه البعض بأنه شخص غير ودود ولا يتعامل ببساطة مع من حوله، وذلك لأنه دائماً يطالب بالمعاملات الجادة حتى مع أقرب الأشخاص له ويتطلع دائماً إلى التمسك باحترام التقاليد والمثل العليا، ولا يقبل العفوية في التعامل لأنه يعتقد أنها دائماً المسبب الرئيسي للأخطاء.
ولكن هذه التطلعات لا يطلبها فقط ممن حوله، فهو أيضاً لا يحب الشعور بالخطأ تجاه أي شخص، فقد يعاني صاحب الشخصية القهرية من لومه المستمر لنفسه فهو يحاسب نفسه كل يوم عن ما قام به خلال نهاره، ولذلك يعاني أصحاب هذه الشخصية من الأرق المستمر.
فالصامتون ليسوا سوى بشراً منهم القادة ومنهم السياسيون والعلماء والكتاب...، فليس كل صامت مزعج وليس كل صامت خائف أو جبان أو بائس، فهناك صمت خلفه نجاح كبير فالصامتون من خير أهل الأرض وهم من يصنعون التغيير ويضعون بصمتهم أينما تقع أقدامهم.
فعن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت» (رواه البخاري «6475»، ومسلم «47»).
الصامتون مميزون في عصر كثرت فيه الثرثرة ولديهم الحجة، فهم منشغلون بنجاحٍ كبير وفوز عظيم ليس فقط لذاتهم إنما لخدمة أوطانهم وخدمة الأجيال القادمة فصمتهم جمال وحديثهم فخامة.