أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: أيها المسلمون اغنموا أيام الجمعة أربعة أيامٍ في كل شهر، إذ تحفكم ألطاف ربكم في اليوم السابع من كل أسبوع كما في قول ربنا سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (9 - 10) سورة الجمعة، ثم عقب ربنا سبحانه وتعالى على من ضيع ألطاف ربه ساعة المناداة لصلاة الجمعة بقوله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (11) سورة الجمعة.
أزمة الخطاب العربي الحداثي:
قال أبو عبدالرحمن: الخطاب العربي الحداثي مستحكم العجمة، كثير الغموض والغمغمة؛ وليس ذلك لغموض تعقيدٍ في الفكرة المطروحة؛ وإنما الأمر رداءة في التعبير، وقد يختفي وراء ذلك التعقيد أحيانا هالة من التمعلم والتشبع بالحداثة الهامشية؛ وأذكر نموذجا لهذه الأزمة كلمة للأستاذ (عزيز العظمة) عن التأريخ لدلالات كلمةٍ (أيديولوجيا)؛ فقد أنقلها حرفيا بعلامات الترقيم التي استخدمها استخداما سيئا.. قال: (لم تضمن الابتداءات الجليلة لمفهوم (الأيديولوجيا) تاريخا أكثر من عاديٍ له؛ فعلى الرغم من المؤسسين والمساهمين في إحياء هذا المفهوم لم يستطع بما هو حيز مستمر لتعقل مشكلة محددة من البناء على أسس إحداثياته الابتدائية بناء يطور من مدى وعمق الدلالات المجتمعة في مضمونه ولا من تهذيب هذه الإحداثيات الأولية).. انظر كتاب (التراث بين السلطان والتاريخ) طبع دار الطليعة بيروت عام 1990 ميلادياً 1410 هجرياً طبعتهم الأولى، وهي الطبعة الثانية للكتاب ص 83.
قال أبو عبدالرحمن: هذا نقل مشوش من مصادر خواجية؛ وصحة العبارة حسب السياق العالمي لمعنى (أيدلوجيا) هكذا: (إن مفهوم (الأيديولوجيا) لم يحظ بغير تاريخٍ عادي؛ لابتداء استعماله، وهو مفهوم ذو عمق وسعة في مضمونه يسمح بدلالاتٍ عديدةٍ؛ وهذا المفهوم حيز مستمر من أجل أن نعقل طبيعة الأفكار في خصائصها وقوانينها وعلاقاتها في أي موضوعٍ محدد.. ومؤسسو هذا المصطلح والمساهمون في إحيائه لم يستطيعوا تطوير دلالاته؛ بالبناء على عناصر مضمونه، ولم يستطيعوا تهذيب تلك العناصر)؛ والبرهان على صحة هذا البديل أن تعبير العظمة مكثف بسوء الفهم للمصدر الأجنبي الذي نقل عنه، وبالعجمة المنافية للبيان العربي، وإن تحليلي يظهر العيوب التالية: أولاً استعمال كلمة (تضمن) سواء أراد التضمن، أم أراد الضمان؛ فلا مفهوم لهذين الفعلين في سياقه؛ وإنما يريد أن معرفتنا ببداية هذا الاستعمال، وليس المراد وجود البداية الحقيقية التي قصرت عنها معرفتنا: لم ترتبط بتأريخٍ لبدايته الحقيقية؛ فالمراد الارتباط لا الضمان ولا التضمن.. ثانياً التركيب غير الفصيح في جملة (أكثر من عادي له).. ثالثاً نقص التصور؛ بل فقدانه لمعنى تاريخ عادي وغير عادي في هذا السياق.. رابعاً استعمال النقطة بعد (له)؛ والصواب وضع واو مقلوبة تحتها نقطة هكذا (؛)؛ لأن ما بعدها في سياق التفسير والتفريع.. خامساً لُكنة الجملة (فرغم المؤسسين)، والبيان في لغة العرب هكذا (فعلاً الرغم من المؤسسين).. سادساً الواو المقلوبة بعد (المفهوم) ولا مكان لها هاهنا، وإنما العلامة المعبرة النقتطان الرأسيتان هكذا (:)؛ لأنهما قبل الخبر، والخبر كمقول القول؛ وإنما يحتاج لهذه العلامة إذا طال الفاصل بين المبتدأ والخبر.. سابعاً الواو المقلوبة بعد (يستطع) وليس هذا موضعها؛ وإنما توضع الشرطة هكذا (-) كما توضع أخرى بعد (محددة)؛ لأن ما بينهما جملة استدراكية، والغرض من علامات الترقيم حال الضرورة البيان والإيضاح.. ثامناً لا يعقل معنى (الجليلة) وصفاً لبداية استخدام هذا المصطلح.. تاسعاً قوله: (مشكلة محددة) يوحي بالمرة الواحدة؛ فتكون الغرض الأول من استعمال المصطلح.. وتوحي بالإطلاق لتشمل كل مشكلة بدلالة التنكير، ويدل على هذا الكلمة السابقة لهذه الجملة، وهي (مستمر)؛ وهذا هو الصحيح بدلالة السياق، ودلالة واقع المصطلح؛ فالصواب التعبير بما يدل على الإطلاق مثل: (كل مشكلة) أو (أي مشكلة).. عاشراً استعمال كلمة(مشكلة) استعمال ضيق، والصواب (مضمون الأفكار في موضوع معين)، أو (مضمون كل فكر في أي موضوع)؛ لأن هذا هو المراد الأولي منذ استعمال (دستوت)، ولأن الفكر والموضوع أعم من أن يكون مقيداً بالإشكال.. الحادي عشر استعمال كلمة (تعقل) وهي كلمة قاصرة توحي بالفهم؛ أي المعرفة التصورية، والأيديولوجيا معرفة تصورية وزيادة؛ فكان عليه أن يقول: (مضمون الأفكار في موضوع معين؛ ليعقل طبيعتها في خصائصها وقوانينها وعلاقاتها)؛ لأن هذا هو الغاية منذ استعمال هذا المصطلح، الثاني عشر كلمة (أحداثياته الابتدائية) متلعثمة؛ لأن الإضافة لمفهوم الأيديولوجيا في بدايته، والمفهوم لا يحدث، وإنما هو ذو عناصر محددة في بداية استعماله، وهي عناصر قابلة للتوسع.. الثالث عشر كلمة (المجتمعة في مضمونه)، والمطلوب إثراء المضمون بدلالات جديدة؛ فهي إذن لم تجتمع في مضمونه، وإنما يراد جمعها من مضمونه.. الرابع عشر عدم وضوح التهذيب المطلوب: أهو ترتيب عناصر معانيه، أم هو ترتيب دلالات مضمونه ذي العناصر، أم هو تنقية مضمونه من دلالاتٍ طرأت عليه وليست هي من مدلوله؟؛ وهذا هو الجدير بالاعتبار؛ لننقي مضمون الأيديولوجيا من مثل إضافات (عبدالله العروي) بحريةٍ سلوكيةٍ، وليس بسماح من المصطلح.. وعلى أي حالٍ فالكلام غير المحدد عند التنظير لا قيمة له.
قال أبو عبدالرحمن: كل هذه المآخذ واردة على ثلاثة أسطر ونصف سطر من الخطاب الحداثي؛ فأي غثيان للنفس، وصداع للعقل في أسفارٍ كثيرة من الخطاب الحداثي، وأي تفاعل حينئذ سيكون بين المرسل والمتلقي؟!، وقد يكون تخلف المتلقي في الفهم، وتمظهره بالمعرفة، مع تعتيم الخطاب الحداثي: سبباً في تلميع قائليه، والاعتداد بمكانتهم على أنهم رموز ونخب!!.. ويظهر لي أن هناك سببا آخر لهذا التعتيم، وهو أن الحداثيين في تنافس كميٍ للعب من كل فكرٍ خواجي؛ فيعوقهم عامل الزمن عن فهم النص مع ضعف الأداء العربي البليغ، فيلجأون في بعض المواطن إلى الترجمة الحرفية، ولا يوفقون إلا.. [قال أبو عبدالرحمن: أسلفت كثيراً أن وضع الهمزة تحت الألف، وعدم تشديد اللام مميز لها عن إلا الاستثنائية] الكلمة الدالة بمقتضى السياق.
قال أبو عبدالرحمن: ومثل هذا الطرح المتلعثم أتعامل معه بالتفسير إن نقلته بنصه، وبتلخيصه حسب مدلوله في سياق الفكر البشري بلغة عربية موصلة.
* * *
من أفاويق شعري الحداثي
وعندما تحل لعنة البوار.
على الخليقة.
يعلو (يهوذا) فوق أنات العوالم.
ويكتب الخلود لليهود.
وهم يخنقون الطفل في الرحم.
ويعصرون القمل والذباب.
وضيعت ترنيمة الكنيسة:
(المجد للرب الكريم في السماء).
لا تبتئس من لطمةٍ.
وثنها بخدك الثاني وسامح.
وتقرع الأجراس كل يوم.
في قاعة المؤامرات.
تحاك للشعوب والمستضعفين:
توصيكم (البيشوف) أعداء السلام.
توصيكم فظائع (الشيكا) والرفاق.
أن تخنقوا الوئام.
بالقوة البلهاء والدولار يقبر الضمير.
هات العصا الغليظة.
يا روزفلت.
تلهو بسوط القهرمان.
أن تسرقوا الدواء والغذاء.
تسترحلوا مبادئ المسيح.
كما تشاء رقة العصر الكذوبة.
لباقة عصرية.
لكنها صديد حقد غابرٍ.
كأنها غلالة لعاهرة.
تخفي دمامة الضغائن.
قانونها تبادل الإغضاء عن كل الجرائم.
5 - نبوآت ميتافيزيقية:
من معبد الشمس.
بدأت كاية طائرٍ.
سموه عنقاء.
يأت إلى الشرق.
ويطير ليلا أو مساء.
جعلوه رمز الانبعاث.
لكنه رمز الفناء.
رمز التشتت والغباء.
سموه عنقا مغرب.
تمتصه لما يبيض اللانهاية.
والبيضة الحمقاء تفقس.
فيعود منها طائر العنقاء يكبر مثلما.
عبرته كهان الأساطير.
ونصيد عنقاء.
وتموت عنقاء.
أبائي الصيد.
لم يعرفوا عنقاء مغرب.
رمزاً لبعث أو فناء.
وإلى لقاءٍ قريب إن شاء الله تعالى، والله المستعان.