د. محمد عبدالله العوين
انشغلت المحكمة الدولية بتتبع تحركات المتهمين الأربعة الذين اتهموا بارتكاب جريمة تفجير موكب رفيق الحريري 14 فبراير 2005م، وهم سليم عياش وحسين عنيسي وحسن حبيب مرعي وأسد صبرا، وبعد انعقاد 415 جلسة، والاستماع إلى 290 شاهداً، والاطلاع على 3131 بينة ضمنت في تقرير ضخم تكون من 3000 صفحة، دانت المحكمة المتهم سليم عياش وبرأت الثلاثة الآخرين.
بذلت المحكمة جهدًا كبيرًا في تتبع اتصالات المتهمين وعمليات المراقبة والتجسس التي أحاطوا بها قصر قريمط مقر الحريري، ووصل قضاة المحكمة إلى الإحاطة التامة بالظروف السياسية العاصفة التي كانت تؤزم الحياة السياسية في لبنان بعد تبني الأمم المتحدة 2004م قرار مجلس الأمن الدولي 1959 إنهاء الوصاية السورية على لبنان، وإصرار بشار الأسد تمديد ولاية أميل لحود لفترة رئاسية ثانية، وعدم قبول الحريري فكرة التمديد هذه، عند ذاك هدد بشار رفيق الحريري وبحضور وليد جنبلاط أغسطس 2004م قائلاً «لحود يمثلني. إذا كنت تريدني أنت وشيراك أن أخرج من لبنان، فسأدمر لبنان»، وأضاف «إن معارضته بمنزلة معارضة الأسد نفسه»، وقال أيضاً «إنه يفضل تحطيم لبنان على رأس الحريري ووليد جنبلاط على أن يُحطم كلامه في لبنان».
وقد أتبع الأسد القول بالفعل؛ فما بين 2004- 2005م تمت عمليات اغتيال من عارضوا الوجود السوري في لبنان، ومنهم وزير الدفاع إلياس المر وأمين الحزب الشيوعي جورج حاوي ووليد عيدو وسمير قصير وجبران تويني وبيار الجميل، وفشل اغتيال مروان حمادة ومي شدياق.
تتبعت المحكمة خيوط الاتصال الخلوي بين المنفذين؛ ولكنها لم تحسن أو لم ترد قراءة تهديد بشار للحريري.
ومما يعضد تورط بشار في هذه الجريمة تصفية المشرف على التفجير وزير الداخلية السوري غازي كنعان 12 أكتوبر 2005م لبتر علاقة سوريا بالقضية والادعاء بأنه انتحر في مكتبه، وتصفية العقل المدبر مصطفى بدر الدين أحد قياديي حزب الله مايو 2016م لإخفاء أسرار العملية.
كما تمت تصفية العميد وسام الحسن 19 أكتوبر 2012م وهو عضو محقق بالمحكمة اللبنانية الخاصة، ومحاولة اغتيال المحقق سمير شحاتة.
كيف لم يأخذ قضاة المحكمة بما رُوي عن بشار من تهديد؟ وانتساب كل المنفذين لحزب الله؟ واغتيال معارضي الوجود السوري؟ وتصفية عدد ممن شارك في الجريمة؟!
كيف تغرق المحكمة نفسها في 3000 صفحة ثم تلقي التهمة على سليم عياش وحده؛ فهو من خطط وموَّل وراقب ونقل 1000 كيلو غرام من مادة TNT إلى موقع الانفجار بالقرب من فندق سان جورج، وهو من ضغط على زر الموت!
عُرف واحدٌ من المجرمين وأُدين؛ لكنه هارب ومكانه غير معلوم؛ فكأن القضية سُجِّلت ضد مجهول، ولم يُعرف من أمَر ودبَّر وموَّل وتابع إلى أن انفجرت شاحنة الموت!
لا يخفى على من لديه أدنى اطلاع على قضايا الإرهاب أن التفجير الضخم المرعب لموكب الحريري ليس عملاً فرديًا على الإطلاق؛ بل هو إرادة وعمل وتوجيه وتنفيذ (دولة) وتعاون حزب عميل وأفراد مجرمين.
يا أيتها العدالة الدولية العمياء من رآك؟!