محمد ناصر الأسمري
الإحسان إلى الناس جبلة وخلق منحة من الله، ولا أخال باذلاً لإحسان قد ندم، إلا أن الغدر عمل مدمر لاستقامة العلاقة الحسنة، وقد يصير الحال كما وصف أبو الهذيل الربعي الكلابي:
وقد ينبت المرعى على دمن الثرى
وتبقى حزازات النفوس كما هيا
لكن صوت السكينة والإحسان يتغلب بقول الشاعر الحطيئة:
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه
لا يذهب العرف بين الله والناس
ومثله الشاعر أبي الفتح البستي:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم
فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ
عشت قدرًا من عمري أبحث عن بيت شعر كان أبي -رحمه الله- يردده دائمًا:
إذا خانك الأدنى الذي أنتَ حزبُه
فلا عجبًا إن أسلَمَتك الأباعد
وبحثت في معارفي أسائل عن قائله واستعنت بأصدقاء وزملاء رفاق العمر والفكر - فما وجدت مفازًا، لكن الشيخ جوجل مثلما كان سابق وكيع - أرشدني فوجدت البيت في قصيدة علي بن المقرب الشاعر القطيفي وهو يعاتب الأمير فضل ابن محمد - من حكام العيون بالأحساء - وهنا بعض القصيدة:
تجاف عن العتبى فما الذنب واحد
وهب لصروف الدهر ما أنت واجد
إذا خانك الأدنى الذي أنت حزبه
فلا عجبا إن أسلَمَتك الأباعد
ولا تشك أحداث الليالي إلى امرئ
فذا الناس إما حاسد أو معاند
وعد عن الماء الذي ليس ورده
بصاف فما تعمى عليك الموارد
فكم منهل طامي النواحي وردته
على ظمأ وانصعت والريق جامد
فلا تحسبن كل المياه شريعة
يبل الصدا منها وتوكى المزاود
فكم مات في البحر المحيط اخو ظمأ
بغلته والموج جار وراكد
وإن وطن ساءتك أخلاق أهله
فدعه.. فما يغضي على الضيم ماجد
فما هجر أم غذتك لبانها
ولا الخط إن فارقتها لك والد
فبت حبال الوصل ممن توده
إذا لم يرد كل الذي أنت وارد
ولا ترهب الخطب الجليل لهوله
فطعم المنايا كيفما ذقت واحد
وإخوان سوء إن ألمت ملمة
بسوء فهم أساسها والقواعد
يسرون لي ما لا أسر فكلهم
علي ذاك شيطان من الجن مارد
لقد بذلوا المجهود فيما يسوءُني
وقد كنت أرمي دونهم وأجالد
فيا ليت أني حال بيني وبينهم
جذام وخولان ابن عمرو وغامد
أحمد الله أني لم أحمل الحقد على قرابة أو أصدقاء لقيت من فئام من قلة سوء رد على ما فعلت وأسديت، وأحمل هنا فروسية عنترة بن شداد في قوله:
لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب
ولا ينال العلا من طبعه الغضب
ومن يكن عبد قوم لا يخالفهم
إذا جفوه ويسترضي إذا عتبوا
لقد كنت فيما مضى أرعى جمالهم
واليوم أحمي حماهم كلما نكبوا