د. عبدالحق عزوزي
من أراد أن يتبحر في مستقبل الإعلام وبالضبط في مستقبل الصحافة الورقية مقابل الصحافة الرقمية، فإنني أحيله إلى الملتقى الثقافي المتميز والمهم الذي تناول جوانب هذا الموضوع، والذي سبق وأن نظمته في شهر يناير الماضي المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، حيث أطلقت الإدارة العامة للمنظمة “ملتقى الإيسيسكو الثقافي”، هذا الملتقى الذي يستضيف قادة الفكر من داخل العالم الإسلامي أو خارجه لطرح أبرز القضايا الفكرية والثقافية.
وكان من أبرز المتحدثين في هذا الملتقى، أقدم الصحفيين العرب وصاحب التجربة الكبيرة في المجال الصحفي، الأستاذ خالد المالك الذي جاد وأجاد في تناول جوانب هذا الموضوع، فقد استهل كلمته بالتأكيد أن موضوع «المنافسة» بين الصحافة الورقية والصحافة الإلكترونية ما زال محل جدل ونقاش بين المهنيين والمتخصصين في جميع أنحاء العالم.
وأشار المالك إلى أن تجربته في رئاسة تحرير صحيفة الجزيرة السعودية لنحو 40 عاماً سبقتها سنوات من العمل الصحفي، شهدت تطورات متسارعة خلال السنوات الأخيرة، ورغم الحرص على مواكبتها، إذ كانت الجزيرة أول صحيفة سعودية تتيح نسخة إلكترونية لمحتوى إصدارها الورقي اليومي في العام 1997م، إلا أن تسارع التطور التقني الهائل منذ ذلك الحين أسفر عن تسيد موقع التواصل الاجتماعي تويتر لساحة بث المحتوى الصحفي الفوري.
وأضاف أنه مع ظهور التطبيقات الرقمية مثل تويتر لنشر المحتوى الصحفي، أصبح هذا التطبيق نقطة الجذب الأولى إعلامياً، حيث أصبحنا الآن أمام حالة متفردة من صناعة المحتوى المسموع والمشاهد، فالإعلام بات يتغير وفقاً لسلوك المصادر والمتلقين.
وأكد الأستاذ خالد المالك أن المعضلة الأكبر التي واجهت الصحافة الورقية تمثلت في اتجاه نحو 99 % من المصادر لبث أخبارها فور حدوثها، أو حتى أثناء أو قبل حدوثها على حساباتها الموثقة على موقع تويتر، وأصبحت سرعة نقل الخبر في متناول الأشخاص العاديين، ما جعلنا أمام صيغة جديدة للإعلام الذي أصبح يعمل عبر الشبكة العنكبوتية على مدار الساعة، وبرز مصطلح “صحافة المواطن” وأصبح للشخص العادي دور لا يمكن إغفاله في صناعة الإعلام الجديد، وبات بوسع أي شخص أن يصبح صحفياً أو حتى رئيس تحرير، وباتت التقنية هي التي تحدد المسار والطريق لإعلام الغد.
وأشاطره الرأي عندما نرى أنفسنا اليوم أمام مشهد إعلامي غير عادي، فالحكومات لن يكون بإمكانها التحكم بمفاصل الإعلام في المستقبل. ومع الإعلام الجديد، أصبح للجميع إمكانية أن يصبحوا صحفيين وفنيين عن طريق الأجهزة الذكية، غير أن هذا النوع من الإعلام الجديد يعاني من عدة مشاكل كركاكة الأسلوب أو التعرض للمساءلة القانونية لما ينشره من محتوى يتجاوز القواعد المهنية والقانونية التي تحكم عمل الصحافة الورقية، فنحن أمام إعلام حر بامتياز، فشبكة الإنترنت متاحة للجميع للتعبير عن آرائهم، ولهم فرصة ليكونوا إعلاميين، لكن يجب على الصحف الإلكترونية أن تعتمد على مؤسسات لمراقبة المحتوى.
وأشار إلى أن هناك من يرى أن الصحافة الإلكترونية هي البديل للصحافة الورقية، حيث إن هناك حاجة لتعليم الأساليب والصيغ التي تقدم من خلالها الأخبار للجمهور، وأكد أنه على الإعلام الجديد الاعتماد على مؤسسات صحفية متخصصة، وليس على هواة.
وقال الأستاذ خالد المالك إن ما يثار عن مسألة “موت الصحافة الورقية” هو موت للأدوات وليس موتاً للمحتوى، مؤكداً أن الصحافة المطبوعة سوف تستمر، ما يفتح الباب للإعلاميين لنشر محتوى يستجيب للقراء. وأكد أن الصحافة الرقمية ذاتها باتت تواجه تحدياً كبيراً تمثـل في انصراف القراء عنها نتيجة «طغيان مواقع التواصل الاجتماعي»، وأن على كليات الإعلام القيام بـ»غربلة» مناهجها، بل وأساتذتها لمواكبة التطور.
صحيح إن الصحافة الورقية قد تختفي، ولكن الصحافة المطبوعة لن تنقرض، وإنما ستتحول من الهيئة الورقية إلى هيئات إلكترونية أو تفاعلية، فالصحافة الرقمية ما زالت في طور التشكل، وإن إعادة النظر في محتوى الصحافة المطبوعة هو السبيل لبقائها، إلى جانب مواكبة التطور التقني، وإن حل المعضلة التي تواجه الصحافة المطبوعة يكمن في الوصول إلى صيغة للتكامل بين الإعلام المطبوع والإعلام الرقمي، وإعلام التواصل الاجتماعي.