د.محمد بن عبدالرحمن البشر
جائحة كورونا لم تدمِّر الاقتصاد العالمي، كما يقول البعض، لكنها أضعفته، أو أبطأت مسيرته في بعض الدول؛ لهذا فأثرها الاقتصادي ليس بتلك الخطورة، وإن كان أثره مؤلمًا، كما هو الألم في كل شيء.
مشكلة كورونا مع العالم أن أمرها كان جديدًا؛ فلم يسبق للعالم في عصرنا الحديث أن واجه وباء سريع الانتشار مثل كورونا؛ لذلك كانت سرعة الانتشار مخيفة جدًّا، مع جهل العالم بكنهه وتركيبته الجينية، وسلوكه في خارج الجسم وداخله، لكن العالم كان في سباق مع الزمن، وكان أول خطوة يمكن اتخاذها هي الإقفال الكلي، والعزل الكامل؛ وهذا ما سبّب مشاكل اقتصادية لبعض القطاعات الاقتصادية، ومكاسب لقطاعات أخرى.
بعد أن أدرك العالم أن هذا الفيروس يمكن السيطرة عليه بدأ الفتح التدريجي لبعض القطاعات؛ لهذا كان الأثر محدودًا بالتباطؤ، وليس التدمير. وقد ساعدت حزم المساعدات المباشرة وغير المباشرة التي قدمتها الدول للأفراد والشركات والمؤسسات، وكانت عاملاً مساعدًا ومهمًّا في حصر ضرر ذلك الفيروس الذي حل بأرضنا بصورة مفاجئة.
العالم اليوم أدرك أن العودة إلى الإقفال التام لم يعد خيارًا مطروحًا، لكن هناك تدابير كثيرة يتم اتخاذها من قِبل الدول، كل على حدة، للاطمئنان على الحد من انتشاره، وتقليل عدد الحالات النشطة والحرجة، وكذلك الوفيات. ولم يعد ذلك الإجراء الذي يدعو إلى الملاحقة ضروريًّا بدرجة كبيرة.
قطاعات الرياضة في العالم والترفيه، والسياحة، وبعض المطاعم، والمقاولات، والطيران، وغيرها تأثرت بنسبة كبيرة، لكن هناك قطاعات أخرى استفادت مثل قطاع التقنية، والصحة، والتوصيل، وغيرها، كما أن بعض السياسيين قد استفادوا من حلول ذلك الفيروس للنيل من منافسيهم.
هناك دول تخطى اقتصادها الجائحة، وهناك دول أخرى تجاوزت المشكلة بصورة جزئية، وهي في طريقها لتحسُّن أوضاعها، وبعض الدول ما زالت تكافح، وستصل إلى مبتغاها، وبعد النجاح في إنتاج اللقاح سيكون العالم في مرحلة ممتازة للعودة إلى الحياة الطبيعية. وفي هذه الفترة اختفت شركات معروفة، كانت تعاني من قبل، ولاسيما في قطاع التجزئة. وبرزت مشاكل لدى شركات أخرى.
وتأخر موعد تجاوز المشاكل لدى بعض الشركات التي كانت تعاني، ووعدت بأنها سوف تحقق الربحية في نهاية هذا العام. وأخذت الشركات في إطفاء الديون بصورة يومية بعد أن تحسن وضعها نسبيًّا، كما هي الحال في بعض شركات الطيران، لكن تحقيق الربحية المرتقب أضحى أبعد مما كان متوقعًا.
حاجة الناس إلى الطاقة كانت قائمة، وما زالت قائمة، وستظل قائمة؛ لهذا فإن أسعار النفط أخذت في شق طريقها للعودة إلى سعر مناسب في وقت معقول ومتوقع، وأصبح العالم اليوم يستهلك ستة وتسعين مليون برميل يوميًّا بسبب عودة النشاطات الاقتصادية، ولاسيما في الصين.
مرَّ على العالم هزات اقتصادية في فترات مضت، وهناك أسماء لتلك المحطات، تقفز إلى ذهن الاقتصاديين، كلما أبصروا ظلامًا قادمًا، وصبحًا قائمًا، لكنهم سرعان ما يعودون عن الصواب بغض النظر إلى القواعد الأساسية.
الحقيقة التي يمكن الوصول إليها أن هذا الفيروس غير مدمِّر، لكن التدمير يأتي من الحروب التي تقضي على المباني والطرق والهياكل السياسية، وأهم منها زرع الأحقاد في القلوب التي قد تثمر ثمرًا كريه الرائحة، مُر المذاق.
انظروا إلى ما حل بدول في منطقتنا من أحقاد ترسخت في القلوب، بُنيت على اختلاف الدين، أو المذهب، أو الأصل، أو المنطقة. إن مثل هذا الداء إذا حل بالقلوب والعقول، وغذته دول مثل إيران، لا يمكنه إلا أن يولد خرابًا وتدميرًا، يستمر عقودًا وليس سنوات، وعلاجه في الغالب عسير إلا أن يشاء الله بقوته أن تلتئم القلوب، وتعود المحبة والعيش في كنف وطن واحد، يكون مأوى ومكانَ مُقام للجميع.