يُعرف الذكاء الاصطناعي بأنه علم من علوم الحاسب الآلي، وهو مجموعة من التعليمات والأوامر والمهام التي تسند للأجهزة الذكية والحواسيب لتقوم بتنفيذها وفق تكنولوجيا معينة؛ لتعمل على النحو الذي يعمل به الموظف البشري؛ إذ تصبح قادرة على محاكاة القدرات الذهنية الخاصة بالبشر في أنماط عملها المختلفة. وأهم هذه القدرات قدرة الآلة على التعلم والاستنتاج واتخاذ القرارات، إضافة إلى القيام بالعديد من ردود الأفعال. ويعود تاريخ الذكاء الاصطناعي لعام 1950م عندما قام العالِم البريطاني آلان تورينغ باختبار جهاز الحاسب الآلي وقدرته على القيام بتنفيذ المهام الموكلة له بذكاء. ومنذ تلك اللحظة والعالم بدأ بتطوير هذه القدرات الذكائية للحاسب حتى وصلت لمراحل متقدمة تفوق الذكاء البشري في بعض الأحيان. والميزة الأهم هي العمل بشكل دائم ومستمر دون راحة أو إجازة، وأصبحت تقدم الخدمات الحياتية اليومية للإنسان. ونشاهد في وقتنا الحاضر كيف أصبحت تطبيقات الذكاء الاصطناعي أسرع وأكثر دقة في عدد من الأنشطة، مثل التعليم والخدمات الحياتية اليومية، وكذلك التعاملات الأمنية، مثل التعرُّف على الصور والوجوه، وغيرها العديد من المجالات، ومن المؤكد أن العالم سيشهد في السنوات المقبلة تسابقًا كبيرًا في هذا المجال التكنولوجي.
إن قيادتنا الرشيدة لم تغفل هذا الجانب؛ بل وضعت جُل اهتمامها للعمل والاستفادة من مخرجات الثورة الصناعية الرابعة التي ستسهم بشكل كبير في تطوير البلد. وتجلى ذلك من خلال الأمر الملكي بإنشاء هيئة البيانات والذكاء الاصطناعي؛ الأمر الذي يعزِّز من مسيرة المملكة العربية السعودية في اللحاق بالدول المتقدمة، ورسم المستقبل نحو الريادة في المجالات التقنية والتكنولوجية.
إن جائحة كورونا كان لها الأثر الإيجابي الكبير على تزايد استخدام الذكاء الاصطناعي؛ إذ أجرت فترة الحجر الكلي الناس على استخدام الذكاء الاصطناعي في إنهاء معظم أعمالهم، وباتت الحكومات تعمل عن بُعد في معظم مؤسساتها، وكانت النتائج إيجابية لأبعد الحدود، بل فوق المتوقع. ومن أمثال ذلك عقد القمم الدولية عن طريق تقنيات الذكاء الاصطناعي حيث وفرة الجهد والوقت، وعدم تكبُّد عناء السفر.. وخرجت بمخرجات مهمة جدًّا. وبفضل الذكاء الاصطناعي لم تتوقف معظم الأعمال؛ بل استمرت بشكل طبيعي. وكذلك على المستوى الشخصي؛ فقد قام معظم الناس بإنهاء أعمالهم عن طريق الذكاء الاصطناعي، كالتسوق عن بُعد، وإنهاء المعاملات الحكومية، وكذلك حضور الجلسات القضائية عن بُعد، والحصول على الخدمات اللوجستية كتصاريح التنقل، وغيرها من الخدمات اليومية، وهم في بيوتهم دون الخروج من المنزل، وفي وقت قياسي.
لم يتوقع أحدٌ من قبل أن يتقبل الناس التعامل مع الذكاء الاصطناعي بهذا المستوى والكم؛ فكان الذكاء الاصطناعي حاضرًا على المستوى الذهني قبل زمن كورونا، وترعرع في زمن كورونا بشكل كبير، بل تحدّث الكثير عن ولادته الحقيقية في هذه الفترة بسبب ظروف أزمة كورونا التي كانت أرضًا خصبة لتفعيل تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل كامل في كل المجالات الحياتية. وقد حصلت هذه التطبيقات الصناعية الذكية على رضا وتقبُّل الناس الذين كانوا لا يثقون بإنهاء أعمالها إلا بالعقول البشرية، والمواجهة وجهًا لوجه في جميع المجالات.
وأرى أننا أمام حقبة جديدة من العالم الرقمي الحديث؛ إذ سيتسابق الجميع في استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في معظم المجالات، وسيظهر في معظم أجزاء حياتنا اليومية، وذلك بعد النجاح والرضا والثقة التي حصلت عليها هذه التطبيقات الصناعية الذكية من مستخدميها. وسيتجلى عمل الذكاء الاصطناعي بشكل واضح خلال الفترة المقبلة على جميع المستويات الخدمية والتجارية، وسيكون هناك سوق عمل كبير، يحتضن العديد من المشاريع الحديثة.
** **
- فرحان العنزي