بدأ الجدل حول تشخيص اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه في الأطفال في أوائل القرن الماضي ولم يتوقف حتى يومنا هذا.
والجدل الذي بدأ في الغرب ولَم يتوقف في الشرق يتمحور حول كون زيادة الحركة والمشاكل السلوكية في الأطفال مجرد سلوك طبيعي في الأولاد ولا يصح تسمية ذلك باضطراب مرضي علمًا بأن هذا الاضطراب يصيب الأولاد بنسبة أربعة إلى واحد في البنات وذلك حسب الأبحاث العلمية التي تجاوزت عشرات الألوف عبر العقود الماضية والتي أثبتت كون الأعراض مرضية. ماذا يعني ذلك؟ وهل كل طفل كثير الحركة ويظهر سلوك سيئ يعاني من هذا الاضطراب؟
الجواب هو قطعاً لا فأغلبية المشاكل السلوكية التي نراها في عيادة الطب النفسي للأطفال سببها عدم وجود نظام أو بيئة مستقرة في البيت بالإضافة إلى أسباب أخرى تشمل العنف المنزلي وفي أحيان كثيرة يحتاج الوالدين إلى توجيه للتعامل مع أطفالهم بطريقة صحيحة لتجنب هذه المشاكل السلوكية. أنا هنا أتحدث عن مجموعة من الأعراض المحددة واختصاراً فهذه الأعراض تظهر في المدرسة والمنزل وأي بيئة أخرى يوجد فيها الطفل وتسبب مشكلة سلوكية بشكل واضح، فهناك شكاوى من المدرسين وأفراد الأسرة لأن الطفل مزعج وضعيف في التحصيل الدراسي برغم كونه ذكياً كما يظهر من قدرته على التعلّم في نواح أخرى. كما يشتكي الأقارب من سوء سلوك الطفل وعدوانيته تجاه الأطفال الآخرين الذين قد يتجنبون اللعب معه. ببساطة فسلوك الطفل يشخّص كحالة مرضية إذا كانت هذه الأعراض متكررة يومياً معظم الوقت وتسبب مشاكل في حياة الطفل ومَن حوله، وكون الطفل يستطيع البقاء أمام لعبة البلايستيشن لمدة ساعات لا يلغي بالضرورة هذا التشخيص. سلوكيات الأطفال ممن يعانون من هذا الاضطراب ساءت في فترة الحجر الصحي للكورونا وسببت مشاكل كثيرة للأسر. أغلب الدراسات تشير إلى أن نسبة شيوع هذا الاضطراب حوالي 10 % وهذا ما دعاني إلى تأليف كتاب بهذا العنوان لقناعتي بالحاجة إلى نشر الوعي عن هذا الاضطراب في مجتمعاتنا. أعراض الاضطراب تظهر في سن مبكرة ثلاث إلى أربع سنوات حسب شدة الأعراض ولكن لا يحضر الأهل الطفل للتقييم إلا بعد سنتين أو ثلاث من بدء المدرسة وأحياناً كثيرة يرفضون مجرد الفكرة ويستمر الطفل في المعاناة ويطرد من عدة مدارس بسبب سلوكه والفوضى التي يسببها في الفصل قبل أن يقتنع الأهل بوجود مشكلة تستوجب التقييم والعلاج. الاضطراب هو وراثي بنسبة 90 % ويعني ذلك أن هناك أفراداً آخرين من الأسرة قد يكونون مصابين بنفس الاضطراب ولم يتم تشخيصهم في سن صغيرة. هناك أسباب أخرى تتعلّق بمشاكل الحمل والولادة وكثير من الأطفال الخدج قد يعانون من هذا الاضطراب. العلاج السلوكي مهم ولكن العلاج الدوائي أساسي وهذا يشكِّل مشكلة كبيرة في تقبل الوالدين لفكرة العلاج الدوائي، فهم يعتقدون أن هذا مجرد اضطراب سلوك ولا يتطلب وصف «الأدوية النفسية»
فهي حسب اعتقادهم الخاطئ تسبب الإدمان وتغيير في شخصية الطفل. الدراسات العلمية خلال العقود الماضية لا تدعم هذا الاعتقاد. سبب الاضطراب هو اختلال في النواقل العصبية في الدماغ وهي الدوبامين والايبينفرين والأدوية الموصوفة لهذا الاضطراب تصحح هذا الخلل وكثيراً ما أذكر مرض السكري كمثال لإقناع الوالدين بأن الحالة بيولوجية وليست مجرد سوء سلوك أو سوء تربية. وظهرت مؤخراً ألعاب فيديو مرخصة من قبل هيئة الغذاء والدواء الأمريكية مثل لعبة انديفور أر أكس. وتستخدم كجزء من برنامج علاجي متكامل لهذا الاضطراب.
نصيحة للوالدين أحضر ابنك للتقييم والعلاج ولا تتأخر، فليس هناك داع لمعاناة طفلك، فالعلاج متوفر وفعَّال وآمن.
** **
- د. أحمد الألمعي
@almaiahmad