كنت قد كتبتُ ونشرتُ الأبيات التالية عن الدكتور غازي قبل 31عاماََ:-
يا مَرحباََ بأبي سُهيلٍ، مرْحبا
أهلاً حللتََ مُشرِّقاََ ومُغَرِّبا!
ذا جَهدُكَ الميْمونُ خيرُ بشائرٍ
في جـِدِّ مكةَ أو بِطائفها الهَدا؛
او في الرياضِ وفي أقاصي جَوفها
شَتىّ المصانعِ من جُبيلَ إلى ضِبا؛
و الكـُلُّ يـَشهدُ للأيادي شُمِّرَتْ
و العين تسْهرُ والجبينُ تـَصبَّبا؛
أعمالُ خـيرٍ للأهالي شُيّدَتْ
خيراتـُها تنمو على قِمَمِ الرُّبا؛
رَمـْزُ المَودَّةِ، للمواطنِ ثروةٌ
للأهلِ عِزٌ، كانَ شِبْلاََ أَمْ أبا؛
غازي القـُصيبي تاجـُنا ومِثالنا.
رَضيَ المُكابرُ عنه يوماًَ أم أبى!
كما وكنتُ قد كتبتُ أبياتاً عنه في شكلِ قصيدة مُطوّلةّ.. وذلك مع حلول يوم من أيام ميلاده.
وكتبَ هو عني مرَّتين: أولاهُما كانت مقالةً نشرَها وهو سفير المملكة في بريطانيا؛ وتم نشرُ المقالة في (المجلة العربية) بعنوان: «البيانُ والتبيين عن صاحب الدِّويوين».. تعريفاََ بي وعرضاََْ لقصائد ديواني: (مكة الثـُريـّا)
ثم كتب عني مرةََ أخرى حين جاء على ذِكري في كتابه (حياةٌ في الإدارة)، في الصفحتين: 325، و326 في الطبعة ـ16.
في 15 من أغسطس قبلَ عشرِ سنين، غابَ عنا غازي القصيبي! وكان قد عاش حياة كأكمل ما يمكن أن تكون عليها الحياة.
وكان ميلادُ د.غازي في 2 من مارس، 1940م/ يوم السبت، 23 من المحرم، 1359هـ.
وُلدَ الدكتور غازي في أحساءِ السعودية في عائلة مُترفة؛ وكان والده عبدالرحمن القصيبي مُوسراََ وصاحب تجارة و مزارع في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية؛ كما وقد وُلدَ والده هناك؛ وتمّ مَنحُه لقبَ «معالي» (وكان ذلك ضِمن أربع شخصيات عامة كان لكلٍ منهم إسهامه المتميز في أوائل عهد الملك سعود: وكان الثلاثة الآخرون: حسن عباس شربتلي؛ عبدالله بن عدوان؛ محمد عوض بن لادن.)؛ وكانَ دورُ (الوجيه) عبدالرحمن القصيبي أنه ساهمَ في دعم الدولة في فترةٍ مُعيَّنة).
وانتقلت العائلة إلى دولة البحرين، حيث واصل والده أعماله التجارية، بل وأصبح رئيساََ لغرفة التجارة والصناعة في دولة البحرين!).
وواصل غازي في البحرين دراسته في مراحل التعليم العام حتى نهاية الثانوية، ثم أرسله أبوه للتعليم الجامعي بمصر، وكان من زملائه هناك: عبدالرحمن رفيع (الشاعر المرِح المعروف، وأصبح مجالُه التدريس)؛ محمد كانو (و صار من كبار تجار البحرين والخليج)؛ ومحمد صالح الشيخ، الذي صار مجاله القضاء. ويُستشف من أول رواية كتبها الدكتور غازي (شقة الحرّية) أنهم رباعيُّ أبطالها.. باعتبار أنّ (فؤادَ)ها هو (غازي)ها!
ثم كانت دراستـُه العليا بمرحلة البكالوريوس بجامعة جنوب كاليفورنيا USC، أمريكا؛ مِن جيلِ أ.هشام محي الدين ناظر (الذي تقلّد مناصب وزارة النفط والتخطيط؛ وكان في قمة (الهيئة الملكية للجبيل وينبع) برئاسة الملك فهد، وضمّت «هيئتـها» الدكتورَ غازي في عضويتها).
كما وكان من زملائه في جامعة جنوب كاليفورنيا د.سليمان السِّليم (الذي تقلـّد مناصب وزارية في التجارة والمالية.. ثم رئيساََ لمصرف سامبا).
ولقد عَرفتُ الدكتور غازي منذ 1973م، حين كانت محفوظته «يارا» (و هي كـُبرى أنجاله) تلميذةََ في المرحلة الابتدائية المُبَكرة.. مع ولديَّ في ‹مدارس الرياض الأهلية›، ومديرها أ.جميل فطاني؛ (وكان أمير منطقة الرياض الأمير سلمان) رئيسَ الشرف لمجلس إدارتها.
وكانت فترة تعارفنا تلك إبّانَ انتدابي للتدريس بالجامعة إضافةََ إلى عملي بوزارة التعليم حيثَُ كنتُ ضمن اوّل أربعة (دكاترة) في الوزارة (وكنا ضمن أول 100 دكتور سعودي في البلاد)؛ وكان الدكتور غازي يقوم بالتدريس بكلية التجارة في جامعة الرياض.
ثم عاودْنا التلاقي في دولة البحرين في جلسة أسبوعية لم تنقطع لسبع سنوات جميلة طيلة عمل د.غازي سفيراََ هناك، كـلّ ثلاثاء.
وكانت نشأةُ غازي وعيشِتـه في البحرين مع عائلته طيلة فترة الطفولة والشباب،َ؛ ولقد كان يـُعاملُ كبحريني. بل وفي كتاب للدكتور الشاعر علوي الهاشمي، رئيس سابق لأسرة الأدباء والكتّاب في دولة البحرين، أصدرَه بعنوان (شعراء البحرين المعاصرون)، وشملَ الدكتورَ غازي. وفي السعودية، عمِلَ د.غازي في التدريس بجامعة الرياض وعمادة كلية التجارة؛ وكان من مُجايلي الدكتور محسون جلال، عميد الكلية السابق.
وشارك الدكتور غازي في بعض المفاوضات مع اليمن في أوائل سبعينات القرن الماضي كمستشارٍ قانوني؛ ثم تولى إدارة السكة الحديدية؛ ووزارة الصناعة والكهرباء؛ بل وحتى وزارة الصحة في عهد الملك فهد، وانتهت وزارته فيها في ربيع 1984م يومَ نشرِ قصيدته المشهورة التي تمّ نشرُها في صحيفة الجزيرة (بالرياض):
بـَيني وبَينَكَ ألفُ واشٍ يـَنعُبُ
«فعـَلامَ أُسهِبُ في الغِناءِ وأُطنِبُ؛
صوْتي يَضيعُ ولا تُحِسُّ بِرَجعهِ
و لقد عهِدْتكَ حِينَ أُنشدُ تَطرَبُ!
فعُيِّنَ بَعدَها بأسابيع سفيراََ في البحرين لسبع سنواتٍ سِمانٍ.. تخللتها الأربعُ سنوات الأخيرة من حرب الخليج1 (صدام ضد إيران)، وكذلك حرب تحرير الكويت في أوائل 1991م.. (بعد غزو صدام له قبل فجرِ 2 من أغسطس، 1990م). ثم تمّ تعيينه سفيراََ في لندن لعشرٍ: ثم عاد وزيراََ في عهد الملك عبدالله بَدءاًَ (بوزارة ‹المياه›)؛ ثم -لبقية حياته الحافلة، وزيراََ للعمل.
فليس من المستغربِ أنْ كان ويكون د. القصيبي في ذاكرة الأمة على المستوى الرسمي والشعبي؛ بل ظلَّ على ألـْسِنةِ الناس الذين جايلوه وعاصروه، و(كذلك) الذين عرفوه من أعماله وبعضٍ من العَشراتِ من مؤلفاته ومواقفه وإنجازاته وذكراه.
كما وأدهشـَني -بغِبطةٍ- تداولُ الكتّابِ المجايلين وكذلك (حديثي العهد) عبارة ‹رجل الدولة›.. أثناءَ نـَعتِهم المرحومَ الدكتور غازي
** **
د. إبراهيم عباس نتو - عميد سابق بجامعة البترول