اعداد - خالد حامد:
لمرة واحدة، سوف أتفق مع الرئيس ترامب في استخدامه لصفته المفضلة: «هائل».
الاتفاق الذي توسطت فيه إدارة ترامب بين دولة الإمارات العربية المتحدة واسرائيل لإقامة تطبيع كامل للعلاقات مقابل تخلي إسرائيل عن أي ضم للضفة الغربية، هو بالضبط ما قاله ترامب في تغريدته حول هذا الاتفاق بأنه: «اختراق هائل».
لم يكن هذا الحدث يشبه ما قام به أنور السادات عندما قرر الذهاب إلى القدس، لا شيء يمكن أن يضاهي ذلك التقارب الأول الكبير بين العرب والإسرائيليين. كما لا يشبه لحظة مصافحة ياسر عرفات يد اسحق رابين في حديقة البيت الأبيض - فلا شيء يمكن أن يضاهي تلك اللحظة الأولى من المصالحة العامة بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
لكن ما حدث بين الإمارات وإسرائيل قريب الشبه من الحدثين المذكورين أعلاه. وقريباً سنرى تأثير هذه الصفقة على كل طرف رئيسي في المنطقة، سواء الدول المعتدلة صديقة الولايات المتحدة المؤيدة لإنهاء الصراع مع إسرائيل مرة واحدة وللأبد، أو الأطراف في المعسكر الراديكالي المؤيد لإيران، والمناهض لأمريكا، الذين أصبحوا أكثر عزلة.
إنه زلزال جيوسياسي ..لماذا؟
لكي تدرك السبب تمامًا، عليك أن تبدأ بالديناميات الداخلية للصفقة. كانت خطة ترامب للسلام التي وضعها جاريد كوشنر، واستعدادهم للالتزام بها، هي التي خلقت بالفعل المادة الخام لهذا الاختراق.
فقد دعت خطة كوشنر بشكل أساسي إسرائيل والفلسطينيين إلى تحقيق السلام، حيث تمكنت إسرائيل من ضم حوالي 30 في المائة من الضفة الغربية، وحصل الفلسطينيون على دولة منزوعة السلاح إلى جانب بعض عمليات تبادل للأراضي. رفض الفلسطينيون الصفقة بشكل قاطع ووصفوها بأنها غير متوازنة وغير عادلة. لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي ساعد بشكل أساسي في كتابة الخطة قال إنه يعتزم المضي قدمًا في جزء الضم من الخطة بحلول الأول من يوليو الماضي - دون الموافقة على الجزء الذي رفضته قاعدته السياسية من المستوطنين اليهود.
لم ينجح الأمر، لأن كوشنر، الذي كان يسمع بانتظام من مصر والأردن ودول الخليج العربي أن مثل هذا الضم الإسرائيلي من جانب واحد سيكون بمثابة تحطيم كامل للصفقة بالنسبة للأمريكيين، قال كوشنر لنتنياهو: «ليس بهذه السرعة». أقنع كوشنر ترامب بعرقلة اختيار نتنياهو للخطة عن طريق إجراء عملية الضم في يوليو الماضي.
كان هذا تسبب في فقدان نتنياهو لدعم المستوطنين وفي الوقت الذي يُحاكم فيه بتهم فساد ويواجه احتجاجات يومية خارج منزله بسبب أدائه السيئ في تعامل إسرائيل مع وباء فيروس كورونا، تراجع نتنياهو بشكل ملحوظ في استطلاعات الرأي.
وأوضح إيتامار رابينوفيتش، أحد مؤرخي الشرق الأوسط في إسرائيل وسفير إسرائيل السابق في واشنطن، أن ما فعله ترامب وكوشنر والشيخ محمد بن زايد ونتنياهو هو تحويل حبات الليمون إلى عصير.
وأضاف رابينوفيتش في مقابلة أجريت معه مؤخراً «بدلاً من الضم الإسرائيلي لدولة فلسطينية، جعلوها غير ضم إسرائيلي مقابل سلام مع الإمارات العربية المتحدة». وأضاف أن كوشنر «أوجد أساسًا من لا شيء، يمكن لإسرائيل مقايضته بالسلام مع الإمارات العربية المتحدة».
ديناميات نتنياهو هنا كما قال لي الكاتب الإسرائيلي آري شافيت: «نتنياهو يحاول الخروج من ووترغيت الخاصة به بالذهاب إلى الصين. إنه يشبه نيكسون في الاتجاه المعاكس».
ما كان يقصده هو أن نتنياهو كان يفعل كل ما في وسعه لاسترضاء القوى اليمينية في إسرائيل - بأشياء لامعة مثل الضم - حتى يقفوا إلى جانبه في محاكمته بشأن الفساد ضد نظام المحاكم الإسرائيلي والمدعي العام.
من خلال هذه الصفقة مع الإمارات، فقد تخلى نتنياهو، كما فعل نيكسون مع الصين، عن حلفائه الأيديولوجيين الطبيعيين وهم المستوطنون الذين دعموه لأنهم اعتقدوا أنه سيقوم بعملية الضم «وهذا سيجبر نتنياهو على أن يصبح أكثر اعتمادًا على الوسط ويمين الوسط».
(نصيحة مجانية أقدمها هنا لمحمود عباس: عد إلى الطاولة الآن وقل إنك تنظر إلى خطة ترامب على أنها «أرضية» وليست «سقفًا» لتطلعات الفلسطينيين. ستجد حينها الكثير من الدعم من ترامب والأوروبيين والعرب على هذا الموقف. لا يزال لديك نفوذ. لا يزال يتعين على إسرائيل التعامل معك، لأن شعبك في الضفة الغربية لن يختفي تمامًا).
بإمكاننا أن نرصد ثلاثة فائزين كبار من الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي وهم:
1) الأردن التي تخشى أن يؤدي الضم الإسرائيلي إلى تحويل الأردن إلى دولة فلسطينية، حيث أدت الصفقة الإماراتية الإسرائيلية إلى نزع فتيل هذا التهديد مؤقتاً في الوقت الحالي.
2) الجالية اليهودية الأمريكية. إذا كانت إسرائيل قد ضمت جزءًا من الضفة الغربية، لكانت قد قسمت كل كنيس يهودي ومجتمع يهودي في أمريكا، بين دعاة ضم متشددين وآخرين مناهضين للضم. كانت هذه كارثة تلوح في الأفق. ولكنها تلاشت الآن.
3) جو بايدن. إذا نجح ترامب في الانتخابات الأمريكية في نوفمبر المقبل، فإنه لن يضطر إلى القلق بشأن قضية الضم الشائكة، ويجب أن يكون لديه تحالف أقوى مؤيد لأمريكا في المنطقة للعمل معه.
أما أكبر الخاسرين الجيوسياسيين فهم إيران ووكلائها: حزب الله والميليشيات العراقية وبشار الأسد وحماس والجهاد الإسلامي والحوثيين في اليمن وتركيا.
الصفقة الإماراتية الإسرائيلية تحمل رسالة بالغة الدلالة للإيرانيين وجميع وكلائهم: هناك بالفعل تحالفان في المنطقة اليوم - الأول أولئك الذين يريدون ترك المستقبل يدفن الماضي والثاني الذين يريدون ترك الماضي يستمر في دفن المستقبل. دولة الإمارات العربية المتحدة تتولى زمام التوجه الأول وتترك إيران لتكون زعيمة التوجه الثاني. عندما اغتالت إدارة ترامب قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، فرع العمليات الخارجية في فيلق الحرس الثوري الإسلامي في كانون الثاني (يناير) الماضي، كتبت مقالاً قلت فيه إن أمريكا قتلت للتو «أغبى رجل في إيران». لماذا؟!
لأن الأعمال التي كان يقوم بها سليماني كان الهدف منها هو توظيف العرب وغيرهم من الشيعة لمحاربة العرب السنة في العراق ولبنان واليمن وسوريا بهدف إظهار قوة إيران. وماذا كانت نتيجة كل هذا؟ تسببت إيران في تحويل الدول الأربع إلى دول فاشلة. فقد أصبحت القيادة الإيرانية أكبر عامل مساعد على فشل الدول في الشرق الأوسط وهذا هو السبب في أن الكثير من اللبنانيين يلومونها ويلومون حزب الله على سوء إدارة بلادهم الذي أدى إلى الانفجار المدمر في ميناء بيروت.
لقد تابعت الشرق الأوسط لفترة طويلة جدًا والمنطقة لن تعود كما كانت مرة أخرى.
هناك قوى الطائفية والقبلية والفساد، ولكن هناك تيارات أخرى - شباب وشابات سئموا اللعبة القديمة، والمعارك القديمة، والجروح القديمة التي تتأجج مرارًا وتكرارًا. يمكنك أن تراهم يتظاهرون في جميع أنحاء شوارع بيروت الأسبوع الماضي مطالبين بالحكم الرشيد وتحقيق أحلامهم الكاملة. دولة الإمارات العربية المتحدة أظهرت على الأقل للحظة واحدة مشرقة ووجيزة أن الماضي لا يضطر دائمًا إلى دفن المستقبل، وأن الكارهين والمفرقين ليسوا مضطرين للفوز دائمًا.
ما حدث في المنطقة بين الإمارات وإسرائيل كان أشبه بنسمة عابرة من الهواء النقي، أتمنى أن تتحول قريبًا في يوم من الأيام إلى رياح عاصفة من التغيير تنتشر في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط.
** **
توماس فريدمان - كاتب زاوية وفاز بثلاث جوائز بوليتسر. ألّف سبعة كتب، منها «من بيروت إلى القدس» التي حازت على جائزة الكتاب الوطني - عن (نيويورك تايمز) الأمريكية