تمثل المباني التراثية المنتشرة في مناطق المملكة سجلا حيا لإرث الوطن وحضاراته وتراث الأجداد.
وتميزت تلك المباني بنمطها المعماري الأصيل وبهويتها التراثية حيث وقفت شاهدا على قصص الأجداد ومساهمتهم في تأسيس هذا الكيان.
وقد كان أكبر خطر يهدد التراث العمراني الوطني في السنوات السابقة، هو الإزالة العشوائية للمباني التراثية بحجة أنها آيلة للسقوط، أو أنها مصدر للمخاطر الصحية، أو أماكن تحدث فيها ممارسات مخلة بالأمن.
وقد كانت لجان المباني الآيلة للسقوط تزيل المواقع التراثية الواحد تلو الآخر، دون تنسيق مع أي جهة؛ لعدم وجود جهة معنية بالتراث العمراني؛ لذلك بدأت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني (سابقا) تعاملها مع التراث العمراني بإيقاف الإزالة العشوائية؛ فنسقت مع وزارتي الداخلية، والشؤون البلدية والقروية؛ لإيقاف عمليات الإزالة العشوائية لمباني التراث العمراني، ووضعت المعايير والأنظمة التي تحكم ذلك.
وتم استصدار عدد من التعاميم للحد من إزالة المباني التراثية، منها عدم الإزالة إلا بعد وقوف المختصين من الهيئة عليها؛ لتحديد مدى أهميتها التراثية والتاريخية والسياحية، ومن هذه التعاميم: تعميم معالي وزير الشؤون البلدية والقروية رقم 22637، وتاريخ 23-4-1422هـ، بتوجيه المختصين في الأمانات والبلديات والمجمعات القروية في كل أنحاء المملكة، بإفادة الهيئة بقرار لجان المباني الآيلة للسقوط قبل الشروع في الإزالة بوقت كافٍ؛ للتأكد من أن المباني المطلوبة إزالتها ليست ضمن قائمة المواقع المهمة من الناحيتين التراثية والسياحية.
وكذلك تعميم صاحب السمو الملكي وزير الداخلية بالنيابة رقم 95-18056 وتاريخ 4-4-1423هـ، بخصوص أهمية المحافظة على التراث العمراني؛ لما يشكله من عنصر جذب سياحي، وأن إزالة ما تبقى منه ستؤدي إلى تفريغ المناطق والمحافظات من تراثها قبل أن تتاح للهيئة فرصة الوقوف عليه وتحديد المهم منه، والتعميم على مَن يلزم بالتنسيق مع الهيئة، قبل إزالة المباني الآيلة للسقوط، وتعميم صاحب السمو الملكي - ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء رقم 5947-1 وتاريخ 6-6-1424هـ، وتعميم صاحب السمو الملكي، وزير الداخلية بالنيابة، الإلحاقي رقم 29-52241 وتاريخ 21-6-1424هـ المتضمن التنسيق مع الهيئة قبل تنفيذ أية إزالة لمباني التراث العمراني الآيلة للسقوط، والعمل على تنفيذ برنامج للمحافظة على التراث العمراني وتنميته عمرانياً وسياحياً.
والتزمت الجهات المعنية بموجب هذه التعاميم بالتنسيق مع الهيئة قبل تنفيذ أية إزالة للمباني التراثية، وهذا ما أسهم في الحفاظ على كثير منها، وحدَّ من عمليات الإزالة العشوائية.
وحتى تتضح أهمية هذه التعاميم؛ نشير إلى أن جدة التاريخية شهدت هدم 47 مبنى تراثياً بين عامي 1407هـ و1417هـ؛ بناءً على قرارات لجان المباني الآيلة للسقوط، من دون مشاركة إدارة حماية المنطقة التاريخية؛ الأمر الذي يبين التحول الكبير في الاهتمام بمواقع التراث العمراني الذي أحدثته الهيئة خلال السنوات الأخيرة.
كما أصدرت الدولة خلال الأعوام الأخيرة عددا من القرارات والتعاميم؛ من أجل المحافظة على التراث العمراني، والحد من العبث به، مثل: قرار مجلس الوزراء رقم 66 وتاريخ 5-3-1430هـ الذي يعالج كيفية التصرف في مواقع التراث العمراني، وتعميم صاحب السمو الملكي وزير الداخلية رقم 86954 بتاريخ 10-8-1432هـ الذي يؤكد عدم «إزالة أي مبنى تراثي، إلا بعد التنسيق مع الهيئة؛ للتأكد من أهميته التاريخية والعمرانية، والإبلاغ عن أية تعديات أو إزالة للمباني التراثية».
وقامت الهيئة بمتابعة التزام الجهات المعنية بتطبيق مقتضيات هذه التعاميم، وألزمت في الحالات المحدودة جداً التي وقع فيها تجاوز، الجهات المخالفة بإعادة المباني التي أُزيلت إلى سابق وضعها، مثلما حدث في جسر سكة حديد الحجاز بالمدينة المنورة، وبرج النماص بمنطقة عسير.
كما قامت الهيئة بمشاركة لجان إزالة المباني الآيلة للسقوط في تقييم المباني المدرجة على قوائم الإزالة، وتم التمكن من إبقاء النسبة العظمى منها، بعد تطبيق المعايير المعدة للتصنيف، وإزالة مواطن الخطورة على المجاورين والمارة.
كما تمت إعادة تشكيل لجان المباني الآيلة للسقوط، وإضافة مختصين في الآثار والتراث العمراني إلى عضويتها، وتغيير مسماها إلى لجان معالجة أوضاع المباني الخطرة. وصاحب ذلك إجراء لقاءات مع الأهالي والملاك والمسؤولين؛ لتوعيتهم بأهمية المحافظة على التراث العمراني. وأسفرت هذه الجهود عن برامج تبنتها المناطق للمحافظة على التراث العمراني وتنميته في كل مناطق المملكة، والتوقف شبه الكامل لعمليات الإزالة العشوائية.
كما نفذ مركز التراث العمراني مسحاً ميدانياً أولياً، على مستوى المملكة، بمشاركة الإدارات والمؤسسات المحلية في كل منطقة، وتم حصر نحو ألفي موقع للتراث العمراني، ما بين قرى وأحياء ومراكز مدن تاريخية ومبانٍ. وأوضحت الدراسات الأولية أن أكثر من (800) موقع من هذه المواقع قابلة للاستثمار، وأن (173) موقعاً قابلاً للاستثمار في الوقت الراهن.
والواقع أن مواقع التراث العمراني في المملكة تفوق هذا العدد بكثير؛ لذلك تعمل الهيئة على تنفيذ حصر شامل ومفصل لها؛ تمهيداً لتصنيفها في ثلاث فئات، وتسجيلها في السجل الوطني للتراث العمراني الذي تم الانتهاء من بنيته التقنية. وقد وضع المركز معايير لاختيار وتصنيف مواقع التراث العمراني وفقاً للمعايير العالمية.