إذا كان الأصل أن تنعقد جلسات الاستجواب والمحاكمة الجزائية في حيز جغرافي واحد، بحضور المتهم أمام المحقق في جلسات الاستجواب، وباقي أطراف الدعوى الجزائية العامة والشهود وأعضاء الرابطة الإجرائية؛ ليتسنى لكل منهم أن يكون طرفا إيجابيا فاعلا يسمع ويرى ويتكلم ويشارك في كل ما يدور في هذه الجلسات، احتراما لمبدأ المواجهة بين أطراف الدعوى الجزائية العامة، وضماناً لسرية جلسات الاستجواب أمام النيابة العامة، وتحقيقاً لشفوية جلسات المحاكمة الجزائية وعلنيتها، ولضمان حقوق المتهم في جلسات الاستجواب والمحاكمة.
فإن اللجوء إلى إجراء استجواب المتهم من قبل عضو النيابة العامة، ومحاكمته أمام القاضي عن طريق ما شهدته البشرية من تطور تكنولوجي في مجال تقنية الاتصال المرئي المسموع (Videocomferene) يعتبر امتداداً للنطاق الجغرافي لتلك الجلسات، حيث يشمل مكانين أو أكثر داخل إقليم الدولة الواحدة، أوأقاليم دول متعددة، يوجد فيها المتهم أو المتهمون والشهود وغيرهم من أطراف الدعوى الجزائية العامة أوحتى أعضاء الرابطة الإجرائية؛ فيستطيعون من خلال هذه التقنية المشاركة الإيجابية الفعالة عن بعد في تلك الجلسات، فيتحقق مبدأ المواجهة بين الخصوم، دون الحاجة إلى الوجود الفعلي (الفيزيقي)، في أماكن انعقادهما.
وتعتبر جلسات استجواب ومحاكمة المتهم عن بعد آلية حديثة في المجال الجزائي، يجري الاستعانة بها في بعض الحالات، كسماع شهادة الشهود والمتعاونين مع العدالة، لكشف غموض الجرائم الخطيرة - ولا سيما المنظمة منها - إلى جانب استجواب ومحاكمة المتهمين رغم وجودهم في المؤسسات العقابية، أو المؤسسات الأخرى المحدثة لإيواء المتهمين للحد من خطورتهم الإجرامية أمام النيابة العامة والمحاكم التي قد تبعد عن هذه المؤسسات آلاف الفراسخ والكيلومترات.
ورغم استخدام هذه التقنية فإنه يفترض أن جلسات الاستجواب والمحاكمة الجزائية، قد جرت في نطاق جغرافي واحد، هو قاعة الاستجواب التي يوجد فيها المحقق، أو المحكمة التي توجد بها هيئة الحكم؛ تحقيقاً لبعض الاعتبارات التي يتمثل أهمها في فعالية إجراءات الملاحقة الجزائية، وسرعة إجراءات الفصل في القضايا، وتقليل النفقات التي تتكبدها الدولة في عمليات نقل المتهمين - ولاسيما الخطرين- من أماكن القبض عليهم إلى مقر استجوابهم أو محاكمتهم لحضور جلسات الاستجواب أو المحاكمة، مع حفظ الضمانات والحقوق الواجب توافرها في الأحوال التقليدية بما يتلاءم وطبيعة هذه التقنية، ووفق ضرورة يقدرها محقق القضية.
هذا الأمر تبنته النيابة العامة في المملكة العربية السعودية، بل كانت من طلائع من بادر لاستخدام هذه التقنية بدرجة عالية من الموثوقية الإجرائية، وتدرج مدروس، وخطوات بنائية فعالة في الاستجواب، مواكبة للاتجاهات المعاصرة في مجال العدالة الجنائية؛ لتضع حلولا أكثر سهولة وأعلى فعالية في إجراءات التحقيق والمحاكمة عن بعد.
والله الموفق.
** **
- د. تركي بن عيد الشرافي