مكة المكرمة - «الجزيرة»:
طالبت أكاديمية متخصصة في الطفولة أطياف المجتمع ومؤسساته، التنبه لما يبثه بعض ممن يسمون «المشاهير» وهم ممن شوهوا معنى القدوة، وخدعوا الناس بأكاذيبهم، وحيلهم للوصول إلى المال بأقصر الطرق وبغير وجه حق، وتكمن خطورتهم حينما يتعلق الأمر بالأطفال والناشئة الذين يتشربون المحتوى السخيف الذي يبثه هؤلاء المنتفعون.
وأوضحت نادية بنت عبد العزيز قربان عضو هيئة تدريس بجامعة أم القرى قسم طفولة مبكرة في حديث لها أن «المشاهير» مصطلح أصبح متداولاً لا يعني شيئاً سوى كثرة الظهور على وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن لا يجمع من يحملون هذا اللقب أي هدف أو محتوى أو رسالة، هو مشهور إذا هو شخص تجد صوره وكلامه وتعليقاته في كل مكان من حولك ويتداول الآخرون فيديوهاته على التويتر والإنستغرام والسناب أو حتى التيك توك سواء كان هذا المحتوى جيداً أو العكس، مشيرة إلى أنه يمكن تصنيف المشاهير لنوعين: الأول: هو شخص ذا محتوى ويقدم الكثير من المعلومات الجيدة للمجتمع كالأطباء الذين يقدمون معلومات طبية، والمهندسين الذين يقدمون نصائح في التقنية.. إلخ هذا النوع من المشاهير قدم محتوى فتداوله الآخرون لقيمة ما يقوله كصاحب اختصاص فأصبح مشهوراً بمحتواه، وقد يستفيد بعدها من شهرته في تسويق سلع لها علاقة بتخصصه وربما أن الآخرين يثقون به فهم بالتالي يسمعون نصيحته.
أما النوع الآخر هو المشهور الذي ليس له أي محتوى حصل معه موقف بالصدفة وتداول الآخرون هذا الموقف حتى عرفه الجميع، أو شخص يقدم محتوى فارغاً مبتذلاً لدرجة أن الجميع يتفقون على مهاجمته، فيظهر الجانب الآخر المتعاطف مع كمية التنمر التي يواجهها هذا المشهور فتكون شخصية «مثيرة للجدل» بين مؤيد ومعارض فيصبح مشهوراً، فهذا النوع من المشاهير هم من شوهوا معنى القدوة وأصبحت القاعدة «كن تافهاً مبتذلاً تصبح مشهوراً» ثم تستقبل إعلانات وتصبح صاحب كلمة ومشورة، فتدلوا بدلوك في كل موضوع يطرح على الساحة وتصبح مدافعاً عن حقوق الإنسان، ومفتي شرعي، ومصلح اجتماعي، وممكن دكتور يقدم نصائح طبية...إلخ لأن تعداد كل ما يفعله المشهور لا نهاية فهو يبحث عن مضمون ليصف نفسه أنه صانع محتوى، كما أنه ببساطة يتبع كل ما يدر عليه المال وإن كان فيه كذب أو تضليل أو كسب مال بغير وجه حق.
وتمضي نادية قربان في حديثها قائلة: في المرحلة الثانية تأتي استضافة بعض القنوات الإعلامية التي فيما مضى كانت لا تقدم إلا أصحاب الإنجازات ولا تعرض إلا ما يحمل مضمون أما مع ما نعيشه من محتوى سخيف فلم يعد لهم إلا مجاراة الوضع لزيادة المتابعة، وبالتالي الكسب المادي الأعلى فلم يعد هناك مانع في برنامج حواري استقبلت فيه كاتب وشاعر أن تستضيف ذلك المشهور الذي يتداول الجميع فيديوهاته التي يشتم فيها بألفاظ نابية ويستهزئ بالآخرين أو يلمح في أغلب ما يطرحه تلميحات غير أخلاقية، ونحاور هذا المشهور، ونسأله عن رأيه فيما يحدث على الساحة السياسية، وتأثير التغيرات الاجتماعية على القيم، وكيف بنى نفسه أو صنع مجده المزيف الهش فأكيد أن عنده من الرأي السديد الذي يتقبله جيل اليوم، فهو من وجهة نظرهم «قريب من الجيل الجديد».
وأضافت نادية قربان قائلة: إن أردت رؤية تأثير ظاهرة المشاهير على جيل اليوم يكفي أن تتابع من حولك من الأطفال وتراقب مصطلحاتهم التي أصبحت أبعد ما يكون عن اللغة العربية فأصبحوا يتداولون كلمات انجليزية تم تطبيق قواعد اللغة العربية لتكون لغة ليس لها أصل إلا اجتماع جيل الشباب على معناها فأصبحنا في غربة من هذه اللغة التي أصبحت لغة جيل في زمن العولمة، ومن جانب آخر لا يمكن إغفال التأثير على الجانب الديني التي أصبح يرى فيها بعض جيل الشباب وخاصة المراهقين من الفتيات أن السعادة في التحرر من القيم الإسلامية وأن الالتزام بها يمثل التخلف والرجعية، وأصبح معنى القدوة السوية أمراً مبهماً مشوشاً عند البعض ولم يجدوا تحت الأضواء إلا هؤلاء الذين يجدون آراءهم في جميع وسائل التواصل الاجتماعي من حولهم، كما نجد تأثيره على الأخلاق والقيم الإسلامية بالإضافة إلى الهوية العربية الأصلية التي تميزت بالحياء الذي هو شعبة منها فأصبح التعدي على الآخرين والمجاهرة بالسوء أمراً مقبولاً كي لا يكون كما يقول «مستشرف»، من قال إننا بلا معاصي بل قالها سيد البشر صلى الله عليه وسلم «كل ابن آدم خطاء» ولم يستثن أحد ولكن بالمقابل لم يدركوا القاعدة الأخرى في قوله صلى الله عليه وسلم «كل أمتي معافى إلا المجاهرين» أي أن الدين أمر الإنسان أن يخفي معاصيه ولا يفتخر بها لأن الله غفوراً رحيم للجميع إلا المجاهر، ونجد أن المنظومة اختلفت عند البعض لأن أغلب هؤلاء يجاهروا بحكم أنه شخص عصري «كول»، وبالتالي اتبعه قليلو الخبرة والنضج من الأطفال والمراهقين فأصبحوا ظاهرة لذلك، ولابد أن يكون هناك وقفة قبل فوات الأوان، ولن تكون هذه الوقفة مؤثرة إلا بتكاتف المجتمع.
ووجهت المتخصصة بالطفولة المبكرة رسالة للمربين ووسائل الإعلام والأهل وكل صاحب كلمة وقرار أن يساهم بإيقاف هذا الاستهتار بقيم مجتمعنا وديننا وفكر أطفالنا، وذلك لا يمكن أن يكون إلا بتكاتف جميع أفراد المجتمع، وعلى الإعلام أن يتوقف عن استضافة هؤلاء لمجرد إثارة الجدل وجذب المعلنين فهم المنصة الأولى التي تتوج هؤلاء المشاهير ليظهروا للعلن وتعطي لأطفالنا رسالة: «هكذا تكون تحت الأضواء» فالشهرة تعني المال وهذه للأسف من الأمور التي مررها هؤلاء المشاهير حيث أصبحت المادة أولاً حتى وإن كانت مقابل الكرامة، والواجب على جميع أفراد المجتمع أن يتوقفوا عن تداول مقاطعهم وأسمائهم وكلامهم لا بالنقد أو التأييد حتى يختفي وجودهم في الإعلام ويفقدوا لقب «مشهور»، وبالطبع دور العائلة مهم جداً فمتابعة الأطفال فيما يشاهدونهم أمر ضروري والمتابعة هنا لا تعني المراقبة بل النقاش والتقرب من الأطفال واحتوائهم حتى لا يكون هذا المشهور أقرب لأبنك منك،