د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
شلَّ وباء «كوفيد - 19» قطاعات بأكملها في الاقتصاد العالمي، وفي طليعتها الطيران وصناعة السيارات حتى البيع بالتجزئة مما أدى إلى تدمير الوظائف بصمت، رغم ذلك خلفت أضرار كورونا فرصًا استثمارية لم تكن مستغلة جيدًا في السعودية، مثل القطاع الزراعي، والصناعات الغذائية، والتحويلية، والتعليم الرقمي، والتجارة الإلكترونية، بجانب التمسك بالأهداف الاستثمارية طويلة الأجل، إلى جانب أن المبادرات الحكومية خففت من حدة الجائحة على القطاع الخاص، وهو ما أكده مؤشر دولي من أن ظروف العمل في السعودية مع بداية النصف الثاني من 2020 تجاوز أسوأ حالات التوقف التي سببها كورونا، بل احتلت السعودية مراتب متقدمة في ريادة الأعمال العالمي، إذ حققت المركز الثالث في السياسات الحكومية الداعمة وتوقعات الوظائف.
بالطبع رؤية المملكة 2030 تقود التحول من الاقتصاد الأحادي المعتمد على إيرادات النفط إلى اقتصادي متنوع يقوده القطاع الخاص أيضًا جائحة كورونا تعزز هذا التوجه بل وتسرع في تنفيذه وتحقيقه، ولا مجال للتلكؤ والتأخر عن تحقيق الأهداف والمبادرات الموضوعة.
لذلك قررت الدولة توسيع صلاحيات أوسع للجهات عندما وجه المقام السامي بإنشاء لجنة وزارية تتولى الإشراف على البرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري، من أجل ضبط التستر والحجز التحفظي ومصادرة الأموال والاستعانة بالتقنية والأدلة الإلكترونية لإثبات جرائم التستر، وإبطال كل عقد يكون محله أو غايته التستر، ومنع المدان من ممارسة النشاط الاقتصادي محل الجريمة وأي عمل تجاري آخر لمدة 5 سنوات، مع منح مكافأة مالية لا تزيد عن 30 في المائة من الغرامة المحصلة عن أي مخالفة في النظام لمن يبلغ عنها، مع إلزام الجهات المرخصة بمتابعة منشآت أنشطتها ويمكن تخفيف العقوبات عن المبلغين المبادرين من المخالفين. الصلاحيات الجديدة مطالبة بتأسيس وبناء قاعدة بيانات حديثة ومؤشرات متطورة لرصد الحالات من أجل دعم تغيرات الاقتصاد الهيكلية حتى يتمكن من تأمين قنوات استثمارية للمواطنين، حيث يقدر أن يدخل إلى سوق العمل خلال عقدين من الزمن نحو 20 مليون مواطن، وهناك قطاعات إنتاجية محتكرة من قبل الوافدين تمكنت من تشكيل لوبيات تمارس من خلالها الغش التجاري، وبعضهم يمارس غسل الأموال، ما يخلق واقعًا يمنع من دخول المواطنين إلى هذه القطاعات، بل ولا يقبل العمل فيها بسبب أنها تخالف القوانين والأنظمة التي لا يقبل العمل فيها إلا بعض الوافدين.
توفر الصلاحيات الجديدة علاجًا متكاملاً وأكثر عمقًا للظاهرة، والتي تسببت في حدوث كارثة اقتصادية، واقتصاد خفي يسمى باقتصاد الظل، بسبب أن حجم التستر يقدر بأكثر من 400 مليار ريال سنويًا في مختلف القطاعات، وتحويلات أكثر من 150 مليار ريال سنويًا، ما يعني أن التستر أصبح يشكل عائقًا مرهقًا للاقتصاد الوطني، وعبئًا ثقيلاً على تحقيق برامج ومبادرات التحول الوطني ورؤية المملكة 2030 التي بنيت على تعزيز الناتج المحلي الإجمالي بشكل حقيقي، مع وقف التشوهات والغش، ومنع احتكار الوافدين لمراكز التجارة الذي أعاق دور الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة لتمكين السعوديين من دخول الأسواق، والتي تحرص على تقديم حلول تمويلية بالتنسيق مع بنك التنمية الاجتماعية هدفت إلى سرعة توطين الأنشطة التي يغلب عليها التستر التجاري ومن أهمها قطاع التجزئة.
لم يعد برنامج مكافحة التستر مجرد برنامج، بل هو برنامج اقتصادي شامل لتعزيز النمو في القطاع الخاص، وإيجاد بيئة تنافسية جاذبة للسعوديين، وتشجيعهم على الاستثمار، وفي الوقت نفسه إيجاد حلول لمشكلة تملك الأجانب بشكل غير نظامي من قبل وزارة الاستثمار، ومن بين الحلول لمواجهة التستر إلغاء نظام الكفيل، وجعل جميع المقيمين على كفالة الدولة حاله حال المواطن.
ترغم حوكمة الشركات أطراف السوق على قبول علاقة نظامية حتى تحقق مصالح متوازنة بين جميع الأطراف، كذلك تقوية الأنظمة والتشريعات تمنع ضعاف النفوس من المواطنين من ممارسة التجارة من خلال استغلال ثغرات في النظام لتشكيل مؤسسات فردية وهمية غير خاضعة لرقابة مالية لتحقيق مكاسب يسيرة على حساب توطين الوظائف وتحقيق استقرار واستدامة في النظام الاقتصادي لكا المواطنين وللأجيال المقبلة، والتي تعتبر أعلى قمة هرم الفساد الذي يجب مكافحته ووقف التشوهات في الاقتصاد الوطني لتحقيق بيئة جاذبة للاستثمار الأجنبي وحتى المحلي.