د.سالم الكتبي
يدرك الجميع في منطقتنا العربية والعالم أن الإمارات كانت، ولا تزال، منذ تأسيسها على يد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -طيب الله ثراه- في مقدمة العرب الداعمين للشعب والقضية الفلسطينية، وهذه حقيقة لا جدال فيها تشهد بها المواقف السياسية والإحصاءات والأرقام المنشورة، والتي يشهد بها الطرف الفلسطيني ذاته. ولن نشير هنا لأرقام إماراتية، بل نأخذ من التقارير الصادرة عن المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار (بكدار)، والتي تؤكد أن حجم مساعدات دولة الإمارات للشعب الفلسطيني منذ قيام السلطة، تقدر بقيمة 2 مليار و104 ملايين دولار أمريكي، وأن دولة الإمارات العربية المتحدة تشغل المرتبة الرابعة بين أكبر 10 دول داعمة مالياً لدولة فلسطين منذ قيام السلطة الفلسطينية عام 1994، وهذه المساعدات تشمل دعم ميزانية السلطة الفلسطينية ومشاريع بنية تحتية دون أن تشمل مئات الملايين من الدولارات التي قدمتها الإمارات العربية المتحدة للشعب الفلسطيني من خلال وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
ويحسب للإمارات في هذا السياق تحديداً، أنه حينما أعلنت الإدارة الأمريكية إيقاف المساعدات التي كانت تقدمها للأونروا، التي تشمل خدماتها القطاعات الصحية والتعليمية للفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، والأردن ولبنان وسوريا، تكفلت الإمارات بتعويض هذا النقص، وقدمت 300 مليون دولار مساعدات للوكالة أي بزيادة بلغت 10 أضعاف ما كانت تدفعه في السابق، إلى جانب الكثير من المساعدات الأخرى التي تقدمها الإمارات للفلسطينيين.
الإشارة لذلك ليست من باب تأكيد الفضل ولا المنّ على أشقاء الفلسطينيين، ولكنها من باب استحضار موقف الإمارات الثابت والراسخ ودعمها غير المحدود للقضية الفلسطينية بشكل عام، فالتاريخ يشهد على أن الإمارات قد لعبت دوراً مهماً في تقديم الدعم السياسي والاقتصادي والإنساني لأبناء الشعب الفلسطيني كافة.
وهذه المواقف تنطلق من مبادئ وقيم أخلاقية وإنسانية ومصير مشترك، بدعم صمود الشعب الفلسطيني، وتأييد حقوقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
واستناداً إلى مواقف راسخة وإحصاءات رسمية معلنة وشواهد ثابتة، لا يمكن بأي حال المزايدة على دور الإمارات ومواقفها المشرفّة تجاه القضية والشعب الفلسطيني، ولذا نستغرب التهجم على الإمارات من أطراف إقليمية تزعم دعم الفلسطينيين وتتاجر بقضيتهم من دون أن تقدم لهم في حقيقة الأمر شيئاً يذكر على مدى السنوات والعقود الماضية.
نحن نتحدث هنا تحديداً عن ملالي إيران، الذين لا يكفون منذ قيام ثورة الخميني عام 1979 عن الاتجار بالقضية الفلسطينية، والآن يتهجمون على الإمارات لأنها تسعى لإيجاد بيئة سلام وأمن واستقرار في منطقة لا يريدها هؤلاء الملالي سوى ساحات شاسعة للصراعات وسفك الدماء والحروب بالوكالة تضطلع فيها أذرعهم الطائفية بالدور الرئيسي!
نستغرب أن تخرج علينا صحيفة موالية للمرشد الإيراني الأعلى لتقول إن الإمارات أصبحت «هدفاً مشروعاً» للتنظيمات والميلشيات الموالية للملالي، حيث اعتبرت صحيفة «كيهان» الناطقة باسم هؤلاء المتشددين أن الاتفاق «خيانة» للقضية الفلسطينية، وتمضي قائلة «إذا كان للقرار الإماراتي نتيجة واحدة فقط، فستكون جعل هذا البلد الصغير الثري المعتمد بشكل كبير على الأمن هدفاً مشروعاً وسهلاً للمقاومة»، ما يستوجب أن نطرح على هؤلاء العابثين المخادعين للبسطاء والسذج تساؤلات مشروعة: ماذا فعلتم أنتم ونظامكم الكارثي للقضية والشعب الفلسطيني، وهل تستطيعون أن تعلنوا رقماً واحداً لذر الرماد في العيون حول حجم مساعداتكم التنموية والإنسانية للشعب الفلسطيني؟!
نعم، نعلم أنكم تنفقون أموالاً طائلة من قوت الشعب الإيراني بزعم الإنفاق على القضية الفلسطينية، ولكنكم تعلمون أيضاً الوجهة الحقيقية لهذه الأموال! ودعنا نقولها صراحة: هل إنفاقكم السخي على الميلشيات المتطرفة والإرهابية في الأراضي الفلسطينية ولبنان واليمن والعراق وغيرها قد حررّ شبراً واحداً من الأراضي الفلسطينية المحتلة؟ بل هل هذا الإنفاق يستهدف فعلاً تحرير القدس كما تزعمون؟! قناعتي وقناعتكم هي أن القدس والقضية الفلسطينية برمتها ليست سوى مطية وحصان طروادة توظفونه لأغراضكم الدنيئة وتحقيق مشروعكم التوسعي الذي يرتدي وجهاً طائفياً قبيحاً ويخفي نوايا بغيضة وأحقاداً تاريخية مدفونة في نفوسكم ضد العرب جميعاً.
والحقيقة أنه ليس لملالي إيران غرض من ادعاءات الدفاع عن القضية الفلسطينية سوى كونها مطية لتلميع صورتهم لدى الشعوب العربية والإسلامية، ومحاولة ترويج أنفسهم باعتبارهم مدافعين عن القضايا الإسلامية، والادعاء بأنهم يقودون ما يعرف بـ»محور المقاومة» وغير ذلك من المزاعم، في حين أن الحقيقة ساطعة كاشفة، فلا الملالي يقودون محوراً للمقاومة، ولا وجود لهذا المحور المزعوم من الأساس سوى في خيال هؤلاء المرضى، ولا هم تحملوا يوماً عبء الدفاع عن الشعب الفلسطيني، سلماً أو حرباً.
ثم دعوني أنتقل إلى جزئية أخرى تتعلق بدعمكم المختار لتنظيمات فلسطينية إرهابية تزعم هي الأخرى الدفاع عن الشعب الفلسطيني، وأتساءل بكل صراحة «ماذا فعلت هذه التنظيمات للشعب الفلسطيني؟! ألم يكن حصادها الوحيد هو تقسيم الفلسطينيين وانقسامهم واختلافهم الذي كان البوابة الكبيرة لضياع القضية وتوفير الفرصة أمام إسرائيل لمحاولة الانقضاض على ما تبقى منها، فضلاً عن أن تنظيمات مثل «حزب الله» اللبناني و»حماس» ليست سوى دمى وأدوات يحركها الملالي لابتزاز الغرب والحصول على مكانة إقليمية والمساومة على تمرير مشروعها التوسعي، فمن دون نفوذ قوي في دول ومناطق حيوية مثل لبنان واليمن وسوريا والأراضي الفلسطينية وغيرها لا تستطيع إيران مساومة الغرب بشأن قدراتها النووية فهذه التنظيمات الألعوبة هي في الحقيقة أوراق تفاوضية مهمة في علاقات الملالي مع الغرب.
في الأخير، يجب أن يتذكر الواهمون والمخدوعون نقطة وحيدة فقط: ملالي إيران الذين يهددون الإمارات، لم ولن يطلقوا رصاصة واحدة ضد إسرائيل، رغم أن عناصر حرسها الثوري تنتشر في أراضي سوريا، بل بالقرب من حدود إسرائيل، لأنهم -وببساطة- تجار شعارات ودعاة فتن ومؤامرات، يتلاعبون بورقة الطائفية التي مكنتهم من لعب أدوار بائسة في تدمير العديد من دول المنطقة العربية.