مها محمد الشريف
تجددت التظاهرات والأصوات الداعية إلى إسقاط حكومة الوفاق الليبية في العاصمة طرابلس، وتظاهرات أيضاً في مصراته والزاوية داعية لرحيل الحكومة، كما أكد شهود أن كتيبة النواصي التابعة لميليشيات طرابلس تطلق أعيرة نارية لترهيب المتظاهرين وسط العاصمة. بينما ضجت شوارع العاصمة الليبية بالمظاهرات حيث خرج الآلاف إلى الشوارع احتجاجا على الفساد الحكومي وعلى تردي أوضاعهم المعيشية.
إن إعلان سيادة الدولة لا يسيء استعمال الحقوق ولا يقسم الأمة إلى أقسام متناحرة ومتصارعة فلم تبلغ حكومة السراج لهذه السيادة لأنها لا تحمي البلاد من أطماع المستعمر ومرتزقته وجيوشه من الإرهابيين، ومع ذلك لم يلحظ في بادئ الأمر مدى هذه المخاطرة على دولته التي ظهرت من خلالها الخيانة العظمى للوطن الذي يعد هو الشرف والكرامة لبيعة لأعداء أمته وشعبه.
لقد أبان التاريخ من أين جاءت ضلالات بعض البشر فسياستهم تنبع من أطماعهم الشخصية ومردودها الكبير الذي سيجنيه أولئك على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولم يك يجدها في غير السلطة والسلطان الذي هو يتخيله وينقله إلى المجتمع عوضاً عن أن يتركه إلى سلطة شرعية منتخبة.
نتج مما تقدم أن التأثير الحقيقي للسراج هو القضاء على كل التظاهرات وإطلاق النار لتفريق المحتجبن، وممارسة العنف ضد شعب أعزل قطعت عنه الكهرباء والماء والإنترنت من ساحة الشهداء إلى المناطق المحيطة بها، وعن مناطق وسط المدينة التي تشهد احتشادا ضخما للمتظاهرين المطالبين بإسقاط الحكومة التي تلبس ثوباً مستعاراً لا يدوم ولا قيمة له في ذاته سواء كانت الغلبة لها أم عليها.
من هنا يتبين أن استمرار التظاهرات يغير حوادث التاريخ والذي يحكي عن الناس جميعاً، مهما كانت النتائج حتى وإن ردت الميليشيات الموالية لحكومة فايز السراج بإطلاق قنابل الغاز والرصاص الحي، فقد ظهر ما كان آجلاً، وانقلب الشعب على الأزمات الحديثة، وتبعاً لعلل كثيرة وعميقة امتدت جذورها إلى الماضي الشائك الذي وضعهم فيه الراحل معمر القذافي، وصار المعنى الحقيقي اليوم مقاومة من أجل الحياة وإعادة سيادة الدولة المنهوبة، حيث ردد المشاركون في هذه التظاهرات الهتافات المنددة بحكومة السراج، على خلفية تردي الأوضاع المعيشية، لا سيما انقطاع الكهرباء والماء المتكرر، في بلد يملك أكبر احتياط من النفط في إفريقيا.
حينئذ يمكن القول إن دولة مضطربة على هذا النحو هي غنيمة لكل طامع لمن استطاع أن يغزوها، فبماذا تختلف هذه الحكومة الفاسدة عن القضاء المؤقت على الدستور وحل الرابطة السياسية؟، فالشروط الضرورية للمواطن غير موجودة إطلاقاً فالإقامة غير كافية والمشاركة مع الحكومة تكاد تكون معدومة، كل هذا يثبت جلياً، فيما يظهر، أنه ليس عدلا أن تمنح مرتزقة أردوغان رواتب شهرية بالدولار. بينما الشعب يعاني الفقر وقلة الموارد لا ماء ولا كهرباء ولا إنترنت، فما من شك هي انتفاضة ضد الخونة وضد الوعود الكاذبة. بل ضد الحكومة التي باعت ليبيا وهي تعد أيضاً انتفاضة للكرامة واستعادة البلد من المستعمر التركي، ويمكن تسميتها انتفاضة ضد الخيانة.