لا يخفى على الجميع خطورة وخبث المشروعين الإيراني والتركي في منطقتنا وطريقة استغلال كل منهما للآخر من أجل تحقيق أهدافه، لو نظرنا إلى نقاط التقارب لوجدنا الموضوع في غاية التناقض، فالنظام الإيراني يتضاد مع النظام التركي مذهبياً ومع ذاك نجدهم يغضون الطرف عن هذه النقطة الجوهرية، ولو نظرنا إلى مواقفهما السياسية لوجدنا الموضوع أكثر غرابة، فمثلاً في سوريا نجد النظام الإيراني يدعم الرئيس بشار، وفي المقابل النظام التركي يدعم الجيش الحر والثوار..!! إذًا ما سر هذا التقارب رغم المواقف والأهداف المتناقضة؟ إذا أردنا معرفة سر هذه العلاقة المشبوهة يجب علينا قراءة الأحداث التي تدور في محيطنا الخليجي والعربي والتي تظهر أن النظام الإيراني والنظام التركي اتفقا على معاداة المملكة ومحاولة إشعال المنطقة بالنزاعات وخلق المشاكل المتنوعة خدمة لأجندتهما لاسيما أن النظامين يقومان على مشروعين ذوَي أبعاد مختلفة، فالنظام التركي منذ وصول أردوغان وحزبه العدالة والتنمية للسلطة حمل على عاتقه تطلعات استعادة الإرث العثماني، وهو ما يظهر جلياً في أحاديثه وتصرفاته، ومن هنا حاول أردوغان الوصول إلى المناطق العربية بعد فشله في الانضمام للاتحاد الأوروبي بحثًا عن لعب دور في منطقة الشرق الأوسط، مستغلاً حالة اللاتوازن التي تمر فيها منطقتنا وخصوصاً عقب ثورات الربيع العربي، وهو ما وجده من خلال دولة قطر واستغلال خوفها من انقلاب شعبي قد يطيح بأمير قطر فاتفقت تركيا على دعم قطر كشريك يضمن لها التواجد في منطقة مهمة، وأيضاً شريكًا داعمًا لحركة الإخوان الإرهابية التي تدعمها قطر مع تركيا، وتوج هذا التقارب بإقامة القاعدة العسكرية لتركيا في قطر وهو ما وفر لتركيا منفذًا بحريًا مهمًا إضافة إلى استغلال الأموال القطرية وغيرها من المشاريع التي تبحث عنها تركيا، فهي على كل حال لن تجد النظام القطري في ظرف أصعب من هذا الظرف والذي يجب عليها استغلاله، فالنظام القطري اليوم لا يستطيع رفض أي مطلب لتركيا (مرغماً)
ثم توجهت تركيا إلى السودان راغبة في إقامة قاعدة عسكرية لها في مدينة سواكن الساحلية على البحر الأحمر، وهو ما يعكس بحث أردوغان عن استرجاع الإرث العثماني متمثلاً في استعادة وترميم المباني العثمانية في مدينة سواكن ومن ثم إقامة القاعدة العسكرية فيها الأمر الذي يهدد أمن واستقرار منطقة حيوية ومهمة للعالم أجمع، وقد أجهض هذا المخطط وفشل مع سقوط حكم البشير. ثم يستكمل الدور التركي تدخلاته المتواصلة في الشؤون العربية وهذه المرة في ليبيا عن طريق دعم حكومة (الوفاق)، والغرض هو تمكينها من وضع يدها على جميع مقدرات الدولة الليبية وبالتالي حصول تركيا على مصادر الطاقة والثروات وإيجاد شريك ولو كان بحجم الوفاق لتوقيع اتفاق بحري وعسكري يمنحها ذريعة لتغطية عمليات التنقيب التي تقوم فيها داخل المياه الإقليمية القبرصية، وهو ما ووجه باستهجان دولي عام. وأيضًا يهدف النظام التركي إلى السيطرة واستغلال السواحل الليبية والاقتراب من الحدود المصرية بغية دعم حركات التمرد المتمثلة بالإخوان ومواصلاً عداءه لنظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لأنه هو من أجهض مخطط الإخوان وقضى على حكمه لمصر. ولو أمعنا النظر إلى سياسة أردوغان من خلال تواجدها أو دعمها في سوريا والعراق ولبنان وليبيا وقطر واليمن لوجدنا أنها مماثلة لسياسة النظام الإيراني ولا يقل خطورة عنه، فإيران استغلت شيعة العرب عن طريق إذكاء النزاعات ودعم تمردهم على أوطانهم ثم انبرت كمدافعة عن الشيعة لتجعل شيعة العرب ينزعون ثوب الوطن ويلبسون ثوب الطائفة، ثم ربطتهم بالولي الفقيه لتضمن ولاء شيعة العرب لها ولاسيما أنهم اشترطوا أن يكون الولي الفقيه فارسيًا ليكتمل مسلسل استعباد شيعة العرب وضمان تجنيدهم لتنفيذ مخططات هذا النظام متناسين أن النظام الإيراني يعادي كل ناطق بالعربية سنيًا كان أم شيعيًا، فهو يعادي الأحواز لأنهم عرب مع أنهم إيرانيو الجنسية، وهذا ما يثبت أن النظام الإيراني يستغل شعية العرب لتنفيذ مخططاته فقط، وبهذه الطريقة سيطرت إيران على العراق ولبنان وهو ما تحاول عمله في اليمن عن طريق ذراعها الحوثي، وبسبب هذا المخطط أصبحت جميع البلدان التي تنشط إيران فيها تغص في بحر من الفوضى والطائفية والإرهاب والفقر. كذلك فعل النظام التركي عن طريق الإخوان المسلمين الذي يحاول تصوير نفسه مدافعًا عنهم بحثاً عن تكوين مناصرين له داخل الدول العربية بصورة مماثلة لطريقة السياة الإيرانية. إذًا نحن أمام نظامين كلاهما أخبث من الآخر وكلاهما يخفي مشروعًا يقوم على هدم وتخريب دولنا العربية، وهذا عائد لما يبينه نظام الولي الفقيه في إيران من عداء وتآمر على العرب، وأيضاً الرئيس التركي من خلال تدخلاته وتآمره لتحقيق أحلام استرجاع الإرث العثماني البائد.