هذه..محاولة لكشف سرّ (داء) أحسبه أمسى في عصرنا عضالا..
أقصد وهن استقبالنا للمعلومات التي نبلغها من خلال الجوال، وبالذات تلك التي تحوي من الفوائد.. الجمّة!
ففي البدء لا بد من عرضٍ للإشكال:
حقيقةً...إن لوسائل «التواصل الاجتماعي» منح ومحنٌ، وهنا أعرض للأولى / لتلك الخيرات من المعلومات التي جعلت الناس في غالبهم تتشبّع منها درجة التخمة.. لتكاد تبلغهم نوعا من الزهد في (العلم)، فأوصلتهم الملل من تداول المعارف.
تصور أن كل واحد يقع-تبلغه- معلومة ما إلا ويطير بها بآفاق القروبات، ولسانه (وهو يرسلها):
أتيتكم بما لم تأت به الأوائل.
أو.. خُذوا (عني) فتحا لم أُسبق إليه...!!
المهم عودا على السؤال،.. أعني ( الزهد في العلم)، له سبب خفي كامن في{عدم التطبيق}...!
أذكر لأحد كبار الصحفيين د. فهد الحارثي أنه قد اجتزأ لنا جملة.. من حديث (لو طبقنا ما يصلنا.. لصافحتنا الملائكة بالطرقات).
وهنا أحدد «لو أن كل من علم طبّق لما احتجنا -أصلاً - إلى التكرار.. « والذي أمسى لا يقدّم أو يؤخّر شيئا.
بل أزيدكم / إن هناك من يسمع من الأخبار التي تجرح بالعمق- حادثة بيروت مؤخراً.. كمثال- فيتقبلها لا أقول بدم بارد!، لكن بأعصابٍ هي إلى التبلّد أقرب.
.. فالسبب الذي تقدم عدم (التطبيق) لايجعل للمعلومة قدرها، ووربما حتى صاحبها لا يأخذ مكانته بين القوم، إلا ما شاء الله، وأقرّب لك /
الأب ومقامه بين أبنائه، فمتى ما ابتذل.
-ذاك المقام- لا يعد للأب وقاره، ولا احترامه!
وهنا لا نذهب بعيداً، فنحن فكلنا -والحمد لله- نفاخر بجيل الصحابة رضي الله عنهم.
بالتأكيد لميزات كُبرى، حسبهم أنهم السبب لعزّ الاسلام ورفعته، وبالتالي نشره، فكذلك / لأنهم تعلموا على يدي النبي- صلى الله عليه وسلم-، وقد كانت مدرسته - عليه من ربه الصلاة والسلام الاقتداء - تقديم (الأسوة)، حتى أنهم- رضي الله عنهم- قد أخبرونا حبّ وخلوص النصيحة لكل من بعدهم، أي لم يخفوا أو يستأثروا بـ(سرّية) تلكم الميزة/ قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
(كنا لا نتجاوز عشر آيات حتى نتعلمهن ونعمل بهن، ونعلمهن، ونعلم حلالهن وحرامهن، فأوتينا العلم والعمل).
ثم كذا نهج ( ابن مسعود )مع تلاميذه..
أي يعلمهم أحكام الآيات وآدابها ويربّيهم عليها بتدرج، فقد قال أبو عبد الرحمن السلمي-وهو ممن عرض القرآن على ابن مسعود رضي الله عنه-: (أخذنا القرآن عن قوم أخبرونا أنهم كانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يجاوزوهن إلى العشر الأُخر حتى يتعلموا ما فيهن، فكنا نتعلم القرآن والعمل به. وسيرث بعدنا قومٌ يشربونه شرب الماء لا يجاوز تراقيهم)، فالجملة الأخيرة هي موضع الخوف الذي دعاني أملي هذه الأسطر، فمما لا يخفى.. أن للتطبيق (العمل بما نبلغ) من المكانة فهي أولى مهام التربية وثمار التنشئة الإيمانية بعدها مُشاهد.
فالتلقي المعرفي إن لم يوافقه التطبيق العملي.. فهو كلّ و(حمل) غالبا لا يأتي بخير لصاحبه، فحسبه أنه /من «استكثار حجج الله على أحدنا» كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
وهذه ( الشفرة) إن صحّ مني التعبير بها، أقول/لو تبصرناها لوقعنا على سبب زهدنا بالمعلومة، وربما -وهذا مُشاهد- عدم الحرص على إتمام قراءتها!
فإن في التطبيق - لها- وحده من يحدث (التغيير) المرجو.. والذي يحتاج إلى تضافر جهود حاملي العلم، واسألوا بهذا خبيراً (.. المرببن) كما وهو مناط ما على المتلقي من مسؤولية العلم الذي بلغه، ألا يكفي إن قامت به حجة عليه، وفق قاعدة فقهية: (من علم عن شيء أمسى شيخا فيه).
وهنا لا أحسب أحدنا لا يتمنى أن يكون شيخا بكل شيء، فقد بدأ العلماء والدعاة والمصلحون منذ استحداث هذه «الأدوات «في تقويم الاعوجاج وإصلاح الأحوال..، أقصد عبر (الجوال)، فهو نعمة ونعمة كبيرة، وأي تفريط سيحوّله لا سمح الله إلى نقمة!