يقول الإمام الشافعي -رحمه الله-:
قد مات قوم وما ماتت مكارمهم
وعاش قوم وهم في الناس أموات
فجأة، وفي يوم السبت 18-12-1441هـ فقدت أسرة الغفيلي ومدينة الرس، وأيضًا وزارة التعليم، المربي الأستاذ محمد الصالح الغفيلي -رحمه الله- مدير التعليم بالرس سابقًا. ومن واقع بذله وإحسانه فقد تميز بالكفاح والنجاح والوفاء والعطاء خدمة لدينه، ثم مليكه ووطنه.
وقد خلف تجارب مفيدة وخبرات فريدة، تُذكر فتُشكر. وفي الحديث: «اذكروا محاسن موتاكم، وكفوا عن مساوئهم». وهذا القائد التربوي أي رجل كان؟ وماذا قدم؟ وماذا عمل؟!
أولاً: تجارب تحتذى، وخبرات لن تنسى، منها:
وُلد أبو صالح من رحم المدارس، وصعد سلم التعليم درجة درجة، وبعد أن مارس التدريس تم تعيينه في عام 1402هـ مديرًا للثانوية في الرس، وفي عام 1407هـ تم ترشيحه مديرًا للتعليم بمدينة الرس، وخدم بميدان التربية والتعليم أكثر من ثلاثين عامًا.
ثانيًا: أحسب أن أبا صالح مارس التعليم كرسالة وأمانة، واتخذه هواية، وقد وطئ الجمر بقدميه، وعاش بالميدان، ومن هنا كسب خبرات وتجارب أعانته بعد عون الله تعالى على النجاح. يقول ابن القيم -رحمه الله- في كتابه الداء والدواء: «الداخل في الشيء لا يرى عيوبه، والخارج منه الذي لم يدخل فيه لا يرى عيوبه، ولا يرى عيوبه إلا من دخل فيه ثم خرج منه».
ثالثًا: مدينة الرس تعتبر كبرى محافظات القصيم مساحة بعد بريدة، ويتبعها سبعون قرية وهجرة، وكلها تابعة لإدارة التعليم بالرس. وأدار هذه الإدارة بدون كلل ولا ملل، وتعامل مع جمهور غفير، كثيرًا ما يدحم ولا يرحم، وصبر كالرجال متحملاً ما تنوء بحمله الجبال.
يقول مؤلف كتاب روضة العقلاء: «رؤساء القوم أعظمهم همومًا، وأدومهم غمومًا، وأشغلهم قلوبًا، وأشهرهم عيوبًا، وأشدهم أحزانًا، وأنكاهم أشجانًا وأكثرهم في القيامة حسابًا، وأشدهم - إن لم يغفر الله لهم - عذابًا».
رابعًا: أبو صالح رغم مشاغله العملية والأسرية، وقبل وبعد تقاعده، كان يعمل كخلية نحل؛ وله جهود بارزة في الأعمال الخيرية والوطنية، وله محبة وقبول، وفتح قلبه ومكتبه ومنزله لقضاء حوائج الناس، ولمدينة الرس. وقد اختير عضوًا في مجلس أهالي الرس. وفي عام 1440هـ تم ترشيحه رئيسًا لهذا المجلس، وفي عيد الأضحى، قبل وفاته بأسبوع، حدثني من أثق به واحترمه بأنه اتصل على العلماء والفضلاء من أهل الرس مبادرًا بمعايدتهم -رحمهم الله-. وهذا كان نبله وطبعه. يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خيرٌ من المؤمن الذي لا يخالطهم». وكان -رحمه الله- بشوشًا ومتفائلاً. ورغم لأواء التعليم وهمومه لم أسمع منه كلمة نابية في عِرض مسلم. واللسان حركته سريعة، وآفاته خطيرة. وفي كتاب الداء والدواء للإمام ابن القيم رحمه الله يقول: «وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم، ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات، ولا يبالي بما يقول».
خامسًا: أخي العزيز سليمان الرشيد أبو عبدالملك زودني بكلمة عن الفقيد، نُشرت في صحيفة الجزيرة، وهي كلمة معبرة ومؤثرة، وأحسبها من القلب إلى القلب، وقد كتبها عن الفقيد فضيلة الشيخ عبدالعزيز حمين الحمين الذي عُين رئيسًا لمحكمة الرس قبل خمسة وعشرين عامًا، وقد كتبها بدمه قبل قلمه بحكم تعامله معه. يقول فضيلته: «كلما اقتربتُ منه اكتشفت آفاقًا جديدة. وأبو صالح مدرسة في الحلم والعلم والعدل والحكمة، والنزاهة والصبر والقيادة.. وقلَّ مثيله».
والشيخ الفاضل عبدالعزيز الحمين الذي عمل بمحكمة مدينة الرس قد شاع ذكره، وفاح عطره، وما زال مستمرًّا في أعماله الخيرية والرسمية، وهي -كما أحسبها- شهادة صدق وعدل. فحزاه الله خيرًا.
وما ذُكر عن الفقيد الغالي إنما هو فيض من غيض، ومما يسمح به المجال.
سادسًا: من باب الإحسان وعدم النسيان، ورد الجمائل لفقيدنا الوفي أبي صالح، ونفعًا لأنفسنا، فإنني أوصي زوجته وإخوانه وأولاده ومحبيه وعارفي فضله بما يأتي:
1- ديمومة الدعاء والاستغفار له ولأنفسنا.
2- دعوة للدعاء والاقتداء. وأدعو أولاده بالتعاون مع محبيه لإعداد كتاب عنه، وعن مسيرته، وتجاربه، وأعماله، وما كتب عنه.
والله من وراء القصد.
** **
- صالح بن منصور الصالح الضلعان