يوما بعد يوم نتعلم المزيد عن فيروس كورونا المستجد، وتتكشف معطيات جديدة لم تكن معروفة من قبل، ومن ذلك أن نسبة قد تصل إلى 80% من الأشخاص الذين ثبتت إصابتهم بالفيروس لا تظهر عليهم الأعراض، أو تظهر عليهم أعراض بعد أيام أو حتى أسابيع بعد الإصابة، والعديد من هؤلاء الأشخاص سيكون لديهم شكل خفيف من المرض، بدون أعراض ومضاعفات دائمة.
وتقول منظمة الصحة العالمية: إن الأشخاص الذين يعانون من حالات خفيفة من مرض «كوفيد 19» يمكن أن يشفوا خلال أسبوعين، أما أولئك الذين يعانون من حالات خطيرة فيمكن أن يتوقعوا الشفاء خلال ثلاثة إلى ستة أسابيع.
ومع ذلك يقول الأطباء إن فيروس كورونا المستجد يمكن أن يرتبط بالخلايا البشرية في أجزاء كثيرة من الجسم، ويخترق العديد من الأعضاء الرئيسية، بما فيها القلب والكليتان والدماغ وحتى الأوعية الدموية، ولذلك فإن هذا يفتح الباب أمام التساؤل عما إذا كانت الإصابة بالفيروس تقود إلى مضاعفات دائمة على الشخص.
يقول أخصائي أمراض القلب بكلية الطب في جامعة «ييل» جوزيف برينان في تصريح لموقع «فوكس» إنه وخبراء آخرين قلقون من أن بعض المصابين بكورونا سيعانون من أضرار أو تلف طويل المدى، بما يشمل ندوب الرئة، وتلف القلب، وآثارا عصبية وعقلية. وتفترض خدمة الصحة الوطنية في المملكة المتحدة أنه من بين مرضى كورونا الذين احتاجوا إلى دخول المستشفى، سيحتاج 45% إلى رعاية طبية مستمرة، وسيتطلب 4% منهم إعادة تأهيل، وسيحتاج 1 % بشكل دائم إلى رعاية مركزة.
وفيما يلي بعض المضاعفات التي قد تستمر على المدى الطويل لدى من أصيب بفيروس كورونا، سواء من الأطفال أو البالغين:
1 - تندب الرئة (Lung scarring):
في هذه الحالة تحدث ندوب في الرئتين كندوب الجروح، والخطورة هنا أنه لا يمكن إصلاحها. وتقلل الأنسجة الندبية قدرة الرئتين على امتصاص الهواء ومعالجته إلى أكسجين للدم. ويحدث شعور مستمر لدى الشخص بحرقة في الرئتين وسعال جاف.
ويقول برينان: إن مثل هذه الأعراض تحدث لأن فيروس كورونا يخلق استجابة مناعية شديدة، لذا تمتلئ الفراغات في الرئتين بالصديد مما يجعل الرئتين أقل مرونة. وفي فحوصات التصوير المقطعي المحوسب، يجب أن تظهر الرئتان الطبيعيتان باللون الأسود، ولكن رئات مرضى «كوفيد 19» غالبا ما تحتوي على بقع رمادية تسمى «عتامات زجاجية» (ground-glass opacities) قد لا يمكن التعافي منها.
ويذكر اختصاصي الأشعة في كلية كيك للطب بجامعة جنوب كاليفورنيا علي غلام رضاني زاد لموقع «فوكس»، إنه يمكن أن تحدث هذه التغيرات في الأنسجة ضررا دائما.
2 - السكتة الدماغية وتجلط الدم:
يعاني العديد من مرضى «كوفيد 19» الذين دخلوا المستشفى من معدلات عالية بشكل غير متوقع من الجلطات الدموية، ويمكن أن يسبب ذلك انسداد الرئة والسكتات الدماغية والنوبات القلبية ومضاعفات أخرى ذات تأثيرات خطيرة ودائمة.
وجلطات الدم التي تتشكل في الدماغ أو تصل إليه يمكن أن تسبب السكتة الدماغية. وعلى الرغم من أن السكتات الدماغية تظهر بشكل أكثر شيوعا لدى كبار السن، فإنه يتم الإبلاغ عن السكتات الدماغية الآن حتى في مرضى كورونا الصغار. فمثلا في ووهان الصينية، أصيب حوالي 5 % من المصابين بالمستشفى بسكتات دماغية، وتم الإبلاغ عن نمط مماثل مع السارس.
ولدى الشباب الذين يعانون من السكتات الدماغية، تكون معدلات الوفيات منخفضة نسبيا مقارنة بالأشخاص الأكبر سنا، والعديد من الناس يتعافون. لكن الدراسات تظهر أن ما بين 42 و53% فقط قادرون على العودة إلى العمل.
3 - تلف القلب:
يعتقد الأطباء أن الجسيمات الفيروسية لفيروس كورونا المستجد قد تسبب التهابا لعضلة القلب على وجه التحديد، إذ يحتوي القلب على العديد من مستقبلات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين 2 (ACE2)، والتي حددها العلماء كنقطة دخول لفيروس كورونا المستجد (واسمه العلمي سارس كوف 2).
ويشير ميتشل إلكيند رئيس جمعية القلب الأميريكية وأستاذ علم الأعصاب وعلم الأوبئة في جامعة كولومبيا «لاحظ الأطباء في الصين أن بعض الأشخاص يأتون وهم يعانون من آلام في الصدر.. لقد أصيبوا بنوبة قلبية، ثم ظهرت عليهم أعراض مرض كوفيد 19 أو تم اختبارهم بعد ذلك».
وتبين تقارير إلى أن فيروس كورونا المستجد قد يتسبب بشكل مباشر في التهاب عضلة القلب الحاد وفشل القلب.
4 - فشل الكلى:
حتى الآن لم تظهر تقارير عن تسبب فيروس كورونا في ضرر للكليتين في الحالات التي تصاحب فيها الإصابة بالمرض أعراض خفيفة أو متوسطة. أما الذين يصابون بأعراض شديدة، فوجد الأطباء أن الفيروس يسبب أضرارا شديدة للكليتين.
ففي الحالات الحرجة لمرض كورونا، يتخثر الدم بطريقة أسرع، مما قد يؤدي إلى تشكل جلطات صغيرة تتسبب في سد الأوعية الدموية.
وقد يحدث هذا في الكليتين أيضا، وهو ما يسميه بعض الخبراء «جلطات صغيرة في نسيج الكلى». وبالإضافة إلى ذلك توجد أدلة علمية على أن الفيروس قد يهاجم الكليتين مباشرة.
وفي حالة إصابة مرضى كورونا بالتهاب رئوي واحتياجهم للتنفس الصناعي، يؤثر الأمر بطريقة كبيرة على الكليتين، فالالتهاب الرئوي الذي يتسبب فيه كورونا يؤدي إلى تجمع كبير للمياه حول الرئتين.
في هذه الحالة يعطي الأطباء المريض مدرات للبول تساعد على سحب السوائل من الجسم، مما يتطلب عمل الكليتين بصورة أكثر من الطبيعية، في الوقت الذي تعانيان فيه من قلة تدفق الدم بسبب الجلطات الصغيرة، وهو ما يسرع بفشل عملهما.
ويقول رئيس الجمعية الألمانية لطب الكلى يان كريستوف غاله لمجلة «شبيغل» إنه «تقريبا جميع مرضى كورونا الذين أصيبوا بالتهاب رئوي وتعينت استعانتهم بجهاز تنفس صناعي، أصيبوا أيضا بمشاكل في الكلى».
ويظهر هذا الضرر في نتائج اختبارات وظائف الكلى التي تكشف عن تغير في بعض النسب، وهو ما يعني أن الكليتين لا تستطيعان القيام بوظائفهما بشكل كامل.
وأوضح اختصاصي أمراض الكلى في كلية الطب بجامعة ييل الأميريكية ألان كليغر لصحيفة «واشنطن بوست» أنه «تم رصد عينات من الدم والبروتين في البول لدى نصف الحالات التي دخلت إلى المستشفى، وهو مؤشر مبكر على حدوث ضرر للكليتين».
وتم تسجيل مضاعفات شديدة عند 14 إلى 30 % من هذه الحالات في نيويورك وفي ووهان الصينية، لدرجة احتاج معها هؤلاء المرضى إلى غسيل كلوي، بحسب كليغر.
5 - تأثيرات عصبية وعقلية:
يؤثر «كوفيد 19» أيضا على الجهاز العصبي المركزي، مع عواقب محتملة طويلة الأمد، إذ في إحدى الدراسات من الصين تم إدخال أكثر من ثلث 214 شخصا إلى المستشفى كانت لديهم أعراض عصبية، بما في ذلك الدوار والصداع وضعف الوعي والرؤية وضعف حاسة التذوق والشم، وآلام الأعصاب أثناء المرض.
ويمكن أن تتضمن المضاعفات الطويلة المدى لكورونا (سواء كان سببها الفيروس نفسه أو الالتهاب الذي يسببه) انخفاض الانتباه والتركيز والذاكرة، بالإضافة إلى خلل في الأعصاب الطرفية التي تغذي الذراعين والساقين والأصابع.
6 - العقم عند الذكور:
يقترح باحثون أن مرض «كوفيد 19» قد يؤدي إلى مشاكل خاصة للرجال. وأوضح الباحث علي رابا في رسالة إلى المجلة العالمية لجراحة المسالك البولية، أن الخصيتين تحتويان على عدد كبير من مستقبلات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين 2. وكتب «هناك احتمال نظري لحدوث ضرر في الخصية والعقم اللاحق بعد الإصابة بكوفيد 19».
كما أظهرت دراسة أنه في 81 رجلا مصابا لكورونا، كانت هناك مشاكل في نسب هرمونات الذكورة، مما قد يشير إلى مشاكل في الخصوبة.
وقالت ورقة بحثية نشرت في مجلة «نيتشر» في أبريل/نيسان الماضي إنه «بعد التعافي من مرض كوفيد 19، يجب على الشباب المهتمين بإنجاب الأطفال الحصول على استشارة بشأن خصوبتهم».
7 - حاسة الشم والتذوق:
يمكن أن يكون فقدان أو تراجع حاسة الشم المفاجئ أحد أعراض الإصابة بفيروس كورونا. والشباب هم أكثر احتمالا بأن يحملوا الفيروس دون وجود أعراض أخرى مثل الحمى والسعال، ويعني هذا أنه يمكن لأي شخص يعاني من فقدان مفاجئ لحاسة الشم، أن يكون ناقلا خفيا للفيروس. ويعتقد أن فيروس كورونا يدخل أنسجة الأنف من خلال مستقبل الإنزيم المحول للأنجيوتنسين 2، وهو وفير في الأنف، وقد يسبب تلفا مؤقتا لأعصاب الشم. ومع ذلك، يبدو أن هذا الضرر يتحسن في غضون أسبوع إلى أسبوعين بعد ظهور المرض. وعلى الرغم من أن معظم الأشخاص الذين أبلغوا عن هذه الأعراض يستعيدون حاسة الشم لديهم، فإنه لا يزال من السابق لأوانه معرفة عدد الأشخاص الذين يمكن أن يعانوا من فقدان حاسة الشم بشكل دائم.
** **
د.عادل بن عبدالتواب الشناوي - استشارى الأمراض الصدرية - مستشفيات الحمادي بالرياض