د. سلطان سعد القحطاني
فنون الطائف:
في هذه الحلقة سنختم بالفنون التي اشتهرت بها الطائف وشَهَرتها في الوقت نفسه، وسواء كان الطائف مؤلها أو دخلت عليه، فقد وجدت من أبنائه والوافدين إليه رعاية وعناية في الانتشار تحسب لهم بالتأكيد. ويحسب للأستاذ حماد السالمي هذه الجهود التي رصد وقته وجهده لها عن غيرها، فقد أصل ودرس الفنون التي تميز بها الطائف عن غيره من مناطق المملكة والجزيرة العربية، وفي كل خير، لكننا نؤكد مراراً وتكراراً، وخاصةً من خلال هذه الحلقات على حث الباحثين في مناطقهم الممتدة على ساحة الجزيرة العربية بأن يقوموا بمثل ما قام به السالمي، ومن هذه الفنون ما يتشابه شكلاً ويختلف مضموناً وأداءً في كثير من المناطق، وفي مقدمة هذه الفنون المجرور، وقد ذكر الباحث أنه من الفنون العريقة، وما كذب، فهو عريق في الطائف، وله متشابهات في (الرتم) مختلفة في الأداء، وأحسن عندما قال: من الفنون العريقة جداً، ولا يعرف له إلا أنه قديم قدم قبيلة ثقيف والطائف. ويضيف: وقد زاول هذا الفن بعض القبائل المحيطة بالطائف والمجاورة لثقيف، والتي لها اتصال معها مباشرةً منذ القدم، والأشراف لهم باع طويل فيه، وأشعاره جميلة وجيدة. وكثيراً ما كنا نرى بعض الفرق بلباس غريب لم نعرف مسماه قبل هذا البحث، وهو لباس تلك الفرق ويسمى (الحويسي) وقد فصَّل الباحث فيه كثيراً، مما لا يتسع الوقت لشرح تفاصيله. وذكر أن كثيراً من الفنانين، القدامى والمعاصرين قد مارسوه وجددوا في آلاته مع الحفاظ على إيقاعاته العريقة، وفي مقدمتهم الموسيقار طارق عبدالحكيم، ومحمد عبده وفوزي محسون، ومن الفنانات ابتسام لطفي، وغيرهم كثير، ممن استهواهم هذا الفن الجميل. ومن الفنون التي ذكر الباحث فن الحدري، وهو فن لا يحتاج إلى آلات موسيقية، يغنيه مغن واحد يرد على قفلة البيت مجموعة من الحضور. وهذا الفن سمعت له شبيهاً في أحد الزيارات الثقافية في بلاد غامد (وأنا لست متخصصاً) مع اختلاف في الرتم الذي ذكرته لأنه رقصة جبلية، على ما أعتقد. ثم يذكر فناً قريباً من الحدري، وهو فن المجالسي، إلا أن (السميعة) وهم الحضور ينقلون بعد المغني الشطر الثاني، وهذا مثال واحد على هذا الفن:
تهيض خاطري قبل الغروبِ.
وفي قلبي كما نار الشبوبِ.
يردد السميعة(وفي قلبي كما نار الشبوبِ)
فن الملعبة: هذا الفن يعد من فنون ثقيف، وإن تغير مدلول الكلمة عند بعض القبائل (على حد علمي) فإن الملعبة عند بعضهم تعني فن المراد الفوري بين شاعرين، فقد ذكر لها مرادفاً وهو (الإنشاد) وربما يكون هذا أقرب، وإن لم نجر عليه بحثاً علمياً دلالياً، وعلى أي حال، فهو فن يزاول جماعياً في المناسبات، كعودة الحجاج، عندما كان الناس يحتفلون بهم، أو الختان، عند بعض المجتمعات، أو استقبال الزوار القادمين من مكان آخر، ومنه هذه المقطوعة كما أوردها الباحث: يا لا لا....يا لا لا له
يا لا لا....لا لا له.
أو:
يا لا لا.. لا لا له ...يا لا لا.. لا لا له.
ولهذا الفن نظام يقوم به المنشد ثم يدرب عليه اللعيبة ليرددوا وراءه بقية الشعر. وهو من الشعر الذي يحض على مكارم الأخلاق، وحسن الجوار والبطولة والكرم، والحزن والفرح والوفاء والخيانة، وغير ذلك من شؤون الحياة الاجتماعية.
فن المُرَاد (القصيد) وهو فن معروف في الجزيرة العربية، ولا يحتاج إلى شرح، ويعتمد هذا النوع من الشعر على سرعة بديهة الشاعرين المتحاورين، ولكل شاعر صف من الذين يرددون شعره، يبدؤون بالشطر الأول، ويكمل الشطر الثاني صف خصمه، وهكذا تستمر المحاورة. ومن الفنون المعروفة في الطائف فن يسمى (حَيُوما) وهو صوت جبلي حاد بطبيعته وقوي في حركته ونغمته، وهي لعبة تقوم على الطِيران والإيقاعات السريعة. ومن الفنون المعروفة فن (الخبيتي) وهو فن يقوم على الإيقاعات وبعض الآلات الوترية، مثل السمسمية، وآلات النفخ، مثل المزمار والبوص، وهو فن منتشر في مدن الحجاز، مثل مكة والمدينة والطائف وبدر ورابغ وينبع وجدة ووادي الصفراء، وغيرها من المدن والقرى من الساحل الغربي. كلمة الخبيتي كلمة فصيحة ذكرها الباحث، وهي مأخوذة من الخبت، وهو ما انخفض من الأرض واتسع.
ومن الأشعار المغناة منه القصيدة التراثية المشهورة:
لا لا يا لخيزرانة بالهوى ميلوك لا لا وان ميلوك مالت الروح معاك
لا لا وزمام سيدي طاح في جمة البير لالا وجنيه أبو سيفين للي يجيبه
ومن الفنون غير المنتشرة في غير منطقة الحجاز، وإن كان غناها بعض الفنانين، فن اسمه (الزير بدواني) يذكر الباحث أنه مشابه للخبيتي، لكنه يختلف عنه في وجود بعض الآلات الموسيقية التي يحتاجها الخبيتي، وتقوم رقصاته على ما يشبه العرضة في بعض مناطق المملكة، وخاصة في الأحساء قديماً باستعمال بنادق المقمع وبالبارود بدون رصاص. ومن أشعاره:
يا حليل الغرسة النبوتة
قنوها مايل على ساقيِّه.
إلا أن آلة البوص تصاحب هذه الرقصة، ولا تصاحب العرضة التي ذكرناها. كان هذا العرض السريع لما أسعفنا به الوقت عن مؤلف حماد السالمي، وهو من أحد مؤلفاته الكثيرة، وجهوده المستمرة في معالجات كثير من التراث في الطائف وغيرها، ومشاركاته المستمرة في اللقاءات والندوات، داخل المملكة وخارجها.