في بعض الأحيان تحرص الكثير من الشركات على استقطاب موظفين وفقًا لمعايير عالية، من بينها -على سبيل المثال-الدرجات العلمية المرموقة، والدورات التدريبية، وعدد سنوات الخبرة، وغير ذلك، على أمل أن تحقق أداءً مرتفعًا وتتقدم، ولكن – على غير المتوقع- لا يحقق الموظفون في تلك الشركات الأداء المرجو، وتُمنى بالفشل.
وعلى العكس تستقطب شركات أخرى موظفين من خلال معايير أقل وتحقق الأداء المرجو! حتى أضحى هذا الأمر يُشكل لغزًا في عالم الأعمال، أو ما قد نعتبره إشكالية تقييم الموظفين!
على سبيل المثال، منذ حوالي 15 عامًا، حينما قررت إحدى الشركات العالمية للسيارات دخول السوق المصري، وكانت تستهدف فئة غنية من العملاء ((Class A بماركة من السيارات الفاخرة، بدأت الشركة في تعيين staff من الموظفين في قسم المبيعات ووضعت معايير عالية لاختيار الموظفين، من بينها على سبيل المثال: إتقان اللغة الإنجليزية وخبرة لا تقل عن 10 سنوات في المبيعات وماجستير في إدارة الأعمال.
وكانت إدارة الشركة تعتقد أنها -بتلك المعايير-سوف تحصل على موظفين ذوي كفاءة وأداء عال، ولكن بعد مرور سنة، ورغم أن الأداء التسويقي للشركة كان مميزًا للغاية، إلا أن المبيعات كانت أقل من المتوقع نتيجة تراجع أداء الموظفين. هذا الأمر شكل لغزًا بالنسبة للشركة؛ وبعد مزيد من البحث وإجراء تقييم لأداء الموظفين أدركت بأن الخطأ يكمن في استراتيجية تقييم الموظفين التي اعتمدتها وكانت تستند على المعايير العالية فقط المتمثلة في الخبرات والشهادات، ومن ثم قررت في السنة التالية تعيين ممثلي مبيعات يمتلكون مستويات متنوعة من الخبرات وبمعايير أقل، ونجحت في تحقيق نتائج أفضل! هذه الإشكالية ببساطة تُسلط الضوء على أهمية «إجراء تقييم الموظفين» وفقًا لمعياري الإمكانات والأداء معًا، فبناء فريق العمل المثالي لا يكون من خلال اختيار موظفين استنادًا على الشهادات والخبرات فقط، ولكن أيضًا بتفاعلهم داخل المؤسسة، وبالتالي أي شركة مهما حاولت وضع معايير منضبطة وعالية للحصول على موظفين لا يمكنها النجاح وتكوين فريق العمل المثالي إلا من خلال إجراء عملية تقييم الموظفين وفقًا لمعياري الإمكانات والأداء معًا.
لكن كيف يتم ذلك؟!
من وجهة نظري، أي مؤسسة قادرة على تقييم كفاءة موظفيها من خلال تقسيمهم إلى 4 أنواع، وفقًا للإمكانات والأداء، وذلك على النحو التالي:
أولا: أصحاب الأداء والإمكانات العالية.
هؤلاء هم الموظفون الأكثر كفاءة، وإبداعًا، وتميزًا، وقدرة على تحقيق الأهداف المطلوبة منهم بأفضل صورة ممكنة. ويتسم الموظفون أصحاب الأداء العالي والإمكانات العالية بقدرتهم العالية على قيادة الشركة نحو التقدم، وهم فئة نادرة لا تتجاوز نسبتهم 10% من إجمالي الموظفين في الشركة. ويجب على أي شركة أن تعمل على استقطابهم وألا تفرط فيهم. حتى لو تطلب الأمر -في بعض الأحيان-عدم التقيد بلوائح وقواعد الشركة فيما يتعلق بالرواتب والامتيازات.
ثانيًا: أصحاب الأداء العالي والإمكانيات المتواضعة
هؤلاء هم وقود الشركة والجنود الذين لا يهدأون، وتقوم الشركة على مجهوداتهم الغزيرة. وهؤلاء هم أقل من الفئة الأولى من حيث الإمكانات والأداء، ولكنهم يبذلون جهودًا كبيرة، وعادة ما يكون نصيبهم من الترقيات أقل، ويمثلون 60% من حجم أي مؤسسة. ويجب على الشركات أن تُحافظ على هذه النوعية من الموظفين، وأن تقوم بعمل مجموعة من برامج التحفيز لهم، وذلك للحفاظ على مجهودهم والاحتفاظ بهم على المدى الطويل.
ثالثًا: أصحاب الأداء المنخفض والإمكانات المتواضعة
هؤلاء هم الموظفون الذين لم توفق الشركة في تعيينهم، إما أن يكون قد تم تعيينهم واختيارهم بطريقة خاطئة، أو أنهم كانوا من فئة الموظفين أصحاب الأداء العالي والإمكانات المتواضعة، وانخفض أداؤه بعد ذلك بصورة كبيرة ليصبح ضعيفًا، وهؤلاء الموظفون وجودهم عالة، ولا تستفيد الشركة منهم بأي شكل من الأشكال. وعلى الشركة التي تمتلك الموظفين أصحاب الأداء المنخفض والإمكانات المتواضعة أن تقوم بمحاولة لرفع أدائهم في البداية عن طريق أساليب التحفيز أو العقاب، وإذا لم تنجح في ذلك يمكنها التخلص منهم بشكل نهائي.
النوع الرابع: الأداء المنخفض والإمكانات العالية
هذه الفئة من الموظفين تظهر غالبًا نتيجة سوء استخدام الشركة لإمكاناتهم، فقد يتم توظيف أصحاب الأداء المنخفض والإمكانيات العالية في أماكن تحتاج إلى النوع الثاني من الموظفين أصحاب الأداء العالي، ونتيجة لذلك يشعرون تدريجيًا بالإحباط وبظلم الشركة لهم؛ على اعتبار أنها وضعتهم في أماكن لا ترتقى لإمكاناتهم وموهبتهم، وبالتالي ينخفض أداؤهم بالتبعية. وهؤلاء الموظفون من الممكن -لو انتقلوا إلى شركة أخرى وتم توظيفهم في أماكنهم المناسبة-أن يتحولوا إلى نجوم في تلك الشركة. دور الشركة في هذه الحالة ببساطة هو أن تُحسن توظيف هذه النوعية من الموظفين في أدوار القيادة أو التطوير، حتى تستفيد من إمكانيتهم، وتُحافظ على الريادة في مجالها.
الشركات التي تنجح مقابل الشركات التي تفشل
عادة ما تمتلك مختلف الشركات مزيجًا من الأنواع الأربعة للموظفين، لكن في بعض الأحيان تقع الشركات في خطأ محاربة تعيين النوع الأول من الموظفين ممن يرغبون في تطوير الشركة والارتقاء بها؛ لأنهم قد يحصلون على امتيازات ورواتب أكثر من غيرهم، وفي المقابل تعتمد تعيين النوع الثاني من الموظفين الذين لديهم نمطية في العمل، وشركات أخرى قد تتغاضى عن التخلص من الموظفين أصحاب الأداء والإمكانات المنخفضة أو تطويرهم ليبقوا عبئًا ثقيلا عليها. هذه الأنماط من الشركات في الغالب لا تحقق النجاح وقد تسقط من قمة مجدها. على الجانب الآخر هناك أنماط أخرى من الشركات – بعضهم مؤسسات صغيرة-أراها تحرص على جذب النوع الأول من الموظفين، وتُعطي لهم حرية في التعبير عن آرائهم وتنفيذ إبداعاتهم، وأيضًا تحاول تعيين الموظفين من النوع الرابع، وتضعهم في أماكنهم الصحيحة، كما تحرص على تطوير إمكانياتهم حتى يصبحوا نجومًا، هذه الشركات ما تلبث إلا أن تتقدم بسرعة الصاروخ وتبني فريق عمل مثالي يقودها إلى النجاح.
ولذا فليس من العجيب إذًا أن واحدا من أكبر المستثمرين في العالم مثل «وران بافيت» أحيانًا يختار الاستثمار في شركة تتعرض للخسارة، ولا يختار الاستثمار في شركة أخرى تحقق مكاسب كبيرة وفي أوج قوتها؛ لأن هذه الأخيرة ربما تفشل نتيجة عدم فهم إشكالية الأداء وسوء إدارة وتقييم الموظفين.
ولأجل هذا السبب أيضًا، اختار «جيوفاني آنجلي»، رئيس شركة «فيات» الإيطالية العملاقة لصناعة السيارات، حفيده «جون إلكان» لقيادة الشركة في 2004، ورغم أن عمر «جون» وقتها كان 28 عامًا فقط، وفضله على كل أبنائه الأكبر منه سنًا والأكثر، حيث رأى في «جون» وقتها «نجمًا» قادرًا على قيادة الشركة لأمجادها من جديد، وهو الأمر الذي تحقق بالفعل. في النهاية عليك أن تفهم جيدًا هذه الإشكالية جيدً، وأن تحرص على تقييم الموظفين بناء على معياري الأداء والإمكانات وليس الدرجات العلمية وسنوات الخبرة فقط، حينها ستتمكن من تكوين فريق العمل المثالي وتقود شركتك للنجاح.
** **
- المهندس محمد الباز