محمد سليمان العنقري
معالجة ملف البطالة في أول سلم أولويات الجهات المعنية بالشأن الاقتصادي والتنموي وتتوزع المسؤوليات بين التشريع والرقابة والتنظيم على سوق العمل والتي تقع مسؤوليتها على عاتق وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية وتوليد فرص العمل الذي يقع تحت مسؤوليات الوزارات التنموية الأخرى التي تشرف على القطاعات الاقتصادية سواء الصناعة أو الخدمات وهو ما يعني أن العمل تكاملي بين كل تلك الجهات فلا يمكن لوزارة الموارد أن تعالج هذا الملف منفردةً فهي لا تشرف على توليد الوظائف ولا يقع ضمن اختصاصها بينما تكمن مسؤوليتها بتمكين المواطن من الحصول على فرصة العمل الملائمة من خلال التشريعات والرقابة التي تحقق الأفضلية للمواطن بالمنافسة على فرص العمل القائمة أو التي يولدها الاقتصاد بالمستقبل.
وتقوم الوزارة بتنفيذ برامج لزيادة توظيف المواطنين وآخرها قرار توطين المهن الهندسية وسبقها بنفس السياق توطين مهن الصيدلة وطب الأسنان وقد يصدر قرارات مماثلة لمهن أخرى مستقبلاً، لكن مفهوم تنافسية المواطن لا يقتصر على مثل هذه القرارات فقط فهي جزء من الحل بينما لابد من تغطية العديد من الجوانب المحيطة بمفهوم التنافسية بداية من التأهيل وانتهاءً بتغييرات جذرية في آليات سوق العمل كطبيعة العقود التي يعمل من خلالها الوافدون إلى عدد تأشيرات العمل التي تصدر سنوياً بالإضافة لإجراءات تعطي دوراً أكثر استقلالية لصندوق الموارد البشرية هدف ليضع استراتيجيات تعالج بواطن القصور في مهارات المواطن التي يحتاجها للحصول على الوظيفة، بالإضافة لدور واسع لبنك التنمية الاجتماعية ومنشآت في المساهمة بتوفير الإمكانيات لكي يؤسس المواطن خصوصاً فئة الشباب أعمالهم من خلال برامج تصمم لمهن معينة بالبداية حتى يتم رفع نسبة توطين القطاعات ويكون الاستهداف حسب الأهمية وذلك وفق استراتيجية جديدة أكثر تشاركية بأعمال كافة هذه الجهات وبالتعاون مع بقية الجهات الرسمية التي تشرف على القطاعات الاقتصادية.
فإذا كان نجاح بعض البرامج في زيادة التوظيف قد خفض من نسبة البطالة لتهبط دون 12 بالمائة فإن ذلك لا يعني القدرة على الاستمرار بتحقيق نتائج مشابهة بالمستقبل فالحلول التكاملية هي السبيل لتحقيق التسارع بخفض نسبة البطالة بأرقام أكبر مما تحقق، فالوظائف تتركز في القطاع الخاص وذلك يعني أن تسريع تنفيذ البرامج الخاصة برفع مساهمة هذا القطاع ستعني توليد فرص عمل بحجم يتناسب مع طالبي العمل من العاطلين أو القادمين الجدد للسوق ولكن ذلك يتطلب أيضاً تنظيماً يساهم بتنافسية المواطن من خلال عدة مبادرات وإصلاحات كرفع نسبة التوطين بالعقود مع جهات رسمية وإلزامية توظيف أصحاب التخصصات الهندسية والمعنية بعقود التشغيل والصيانة الرسمية وبنسب عالية إضافة للتركيز على ما يعزز من مشاركة المواطن الاقتصادية سواء بالتوظيف أو ريادة الأعمال.
لا شك أن البطالة ملف شائك في جميع اقتصادات الدول ولكل واحدة تجربتها وظروفها لكن في اقتصادنا تبدو الظروف أيسر لتحقيق نجاح بمعالجة هذا الملف عندما تتكامل الاستراتيجية بين كل الجهات المعنية وترتكز على تعزيز تنافسية المواطن بما هو أكبر من القائم حالياً مع النظر إلى أن الجهود التي بذلت تعد كبيرة لكن تطورات الأوضاع الاقتصادية محلياً وعالمياً بكل تأكيد أحدثت تغييرات كبيرة فالعالم أصبح يتجه أكثر لأن تعتمد كل دولة على نفسها أكثر بالإنتاج الداخلي وتقليل الواردات إضافة للتغيير أيضاً بطبيعة إنجاز الأعمال كالعمل عن بعد وزيادة استخدامات الذكاء الاصطناعي والتقنية بنطاق أوسع وهو ما سيشكل تحولاً جذرياً بطبيعة الأعمال ومتطلباتها وكذلك الأنظمة والإجراءات التي يجب أن تتلاءم مع هذه المعطيات الجديدة.