د. محمد بن عبدالله آل عمرو
بدأ هذا العام الدراسي 1442هـ غريبًا لم يسبق له مثيل بفعل جائحة كورونا؛ إذ قررت وزارة التعليم انطلاقة التعليم في أسابيعه السبعة الأولى عن بُعد، وأعدت لذلك عدتها من خلال منصة مدرستي، وقنوات عين، وذلك بالتنسيق والتعاون مع وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات. وكانت المكتبات القرطاسية في مثل هذه الأيام تكتظ بزبائنها من الطلاب والطالبات. أما اليوم فقد تحولت البوصلة إلى متاجر الحاسبات الآلية وأدواتها، ومراكز صيانتها، التي تحتاج إلى مراقبة أسعارها، ومنع المبالغة في ارتفاعها؛ وذلك تهيئة لبدء الدراسة عن بُعد على افتراض توافُر خدمة الإنترنت بسرعات كافية. وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة التعليم استعدادًا لتقديم التعليم عن بُعد بأقصى درجات الجودة الممكنة إلا أن مهندسي البرمجة لمنصة مدرستي لم يوفَّقوا في تيسير الدخول السهل إليها؛ فقد انتشرت كثير من مقاطع الفيديو والتعليمات النصية التي تشرح خطوات الدخول إلى منصة مدرستي، ابتداء بتحميل تطبيق توكلنا، ثم الخروج منه، والدخول إلى التطبيق ذاته من خلال الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)، ومن هناك يتم إرسال اسم المستخدم وكلمة المرور إلى رقم جوال ولي الأمر، ثم الخروج منه والدخول إلى منصة مدرستي، وتسجيل الدخول من خلال اختيار موقع مايكروسوفت باسم المستخدم وكلمة المرور المرسلَيْن من تطبيق توكلنا. فلك أن تتخيل أنك تعرفت على بيتك الجديد، ثم قيل لك لا يمكنك دخوله إلا من خلال مفتاحه الموجود في البيت الواقع على ناصية الشارع، ولكنك لا تستطيع دخول ذلك البيت إلا من خلال بيت ثالث يقع في طرف الحارة؛ ففيه نفق يوصلك إلى البيت الذي فيه المفتاح، فإذا حصلت على المفتاح من البيت الثاني فاخرج منه ثم اذهب إلى بيتك الأول، ثم ادخل إليه من خلال نفق آخر بجانبه اسمه مايكروسوفت، وافتحه بذلك المفتاح، ثم إذا أدخلت أولادك إلى بيتهم واطمأننت عليهم فإنه لا يمكنك الدخول معهم إلا من خلال طريق مجاور اسمه نور!!! أي تعقيد هذا الذي جعلتم الطلاب وأولياء أمورهم فيه يا حضرات المبرمجين؟!!! وأي تشويه لجهود الوزارة أكثر من تعقيد كهذا؟!!! إنكم لا تقدمون الخدمة لعدد محدود من الطلاب، ولكنكم تقدمونها لنحو ستة ملايين طالب وطالبة، ولنحو مليون ونصف المليون ولي أمر، فإن كنتم توقعتم أن كل هؤلاء الملايين من البشر يحسنون التعامل مع الحاسبات مثلكم تمامًا فأنتم واهمون،إن عجزتم عن برمجة دخولهم مباشرة إلى المنصة برقم الهوية الوطنية وكلمة مرور سهلة فراجعوا مهنيتكم. ويبدو أنه بعد اجتياز مسابقة الحصن السابقة سينشغل بال أولياء الأمور على انضباط الطلاب على أجهزتهم، ومتابعتهم لجداولهم الدراسية اليومية، وقدرتهم على التحصيل المعرفي عن بُعد؛ فالطبيعة الفسيولوجية للأولاد تدعوهم إلى كثرة الحركة داخل المنزل، وعدم البقاء على حال واحدة من الهدوء والسكينة، خاصة أن بعض الأسر سيمتد يومهم الدراسي من الساعة التاسعة صباحًا حتى ساعة متأخرة من النهار، ويتساءلون ما الوسيلة التي يمكنهم بها ضبط حضور أولادهم للدروس وفقًا للجدول الدراسي، وعدم مغادرتهم عنها لغير سبب مقبول؟ ومن المتوقع أن تتباين إدارة الأسر لهذه الحالة من النقيض إلى ضده؛ فقد تتعامل بعض الأسر بأقصى درجات الحزم القاسي، في حين ستتعامل بعض الأسر مع الحالة بأقصى درجات الإهمال والتجاهل، تاركين لأولادهم حرية حضور الدروس من عدمها؛ ما يجعل إرشاد الأسر إلى أنسب طرق إدارة حضور أولادهم للدروس عن بُعد أمرًا في غاية الأهمية.
إن بقاء الطلاب في بيوتهم في حد ذاته يشكل ضغطًا على نفسياتهم، فكيف إذا طُلب منهم البقاء أمام أجهزة الحاسب، ومتابعة الدروس التي تتطلب قدرًا من التركيز والفهم، دون أي تفاعل يُذكر بين المعلم والطلاب؟ سيكون ذلك مملاً لهم، وسيحاول كثير منهم كسر حاجز الملل بالدخول إلى ألعاب الترفيه، أو اللعب بعيدًا عن الأجهزة.
وأود أن أهمس في أذن كل ولي أمر بأن التحفيز السلبي الذي ينحو تجاه القسوة المفرطة لن يحقق الانضباط وفهم الدروس المأمول، بقدر ما يزيد الضغط النفسي لدى الطلاب، ونفورهم من الدراسة، ولكن من خلال تهيئة البيئة الإيجابية المريحة في البيت، وتوفير مزيج من التحفيز الإيجابي من الثناء والمديح والمكافآت، مع شيء من الحزم حد القسوة أحيانًا، والمتابعة الدائمة والمراجعة المستمرة والمشاركة التشجيعية، يمكن أن يساعد ذلك في رفع مستوى التحصيل خلال هذه الفترة.
خاتمة قيل إنها لأبي تمام:
فقسا ليزدجروا ومن يك حازما
فليقس أحيانا على من يرحم